المصير المجهول

0
المصير المجهول
بقلم : علي إبراهيم طالب
مجلة الحوادث  لندن
بريطانيا
رسائل الى المحرر
العدد 2256
الجمعة 28 ك٢ 2000
السيدة التي   اخبرتني  هذه القصة عبر  ثلاث رسائل متتالية  وصلتني منها  وكانت تلح كل مرة ان انشرها  ،    وبطريقة ما  احضرت رقم هاتفي   وحدثتني عن هذه القصة التي  حصلت معها في  احدى المدن  الغربية    في  هذا العالم الواسع والمترامي  الاطراف  .
ترددت قليلاً في بادئ الأمر في كتابة هذه القصة الواقعية والتي حصلت مع احدى العائلات العربية التي تسكن في احدى المدن   الغربية   ، وعلى الرغم من اني استمعت الى هذه القصة منذ ما يربو على السنتين ولكن تطرق هذه القصة من حين الى اخر باب ذاكرتي للخروج من أسرها .
أولا أريد ان أشير ان الهدف من كتابة هذه القصة ليس التشهير بأصحابها لا سمح الله ، هذا علما اني سأستعمل أسماء وهمية  ، وثانيا  ربما لوجود عبرة من خلال سردها وترك القارئ يستخلص النتيجة التي يمليها الضمير والحق القصة ابتدأت عندما حضر ( سمير ) من احدى الدول العربية الى  تلك الدولة  منذ حوالي الثماني سنوات حصل على ڤيزا سياحية الى الولايات المتحدة الأميركية ومن هناك قرر ان يتقدم باللجوء السياسي الى كندا بسبب الأوضاع الداخلية في وطنه الام  .
المهم ان سمير وصل الى اميركا ( ارض الأحلام الموعودة ) بالنسبة له ولمعظم الطامحين في شتى أنحاء العالم وعمل جهده للدخول الى كندا كلاجئ سياسي وكان له ما أراد ووصل ( سمير ) الى الأراضي الكندية وبدأ بتأليف القصة التي سيرويها للمحكمة الكندية عن سبب طلبه اللجوء السياسي الى كندا  ، وسارت الأمور مع سمير بشكلها الطبيعي عندما وجد ان العمل الذي كان يتقنه في بلده لا وجود لأثر له هنا وكان على ما يبدو راضيا بما تدفعه له الدولة من معاش شهري على رغم النداءات والاتصالات الهاتفية التي كانت تنهال على ( سمير ) من زوجته ( حسيبة ) وأم أطفاله الثمانية الذين تركهم خلفه في رحلته الموعودة الى المجهول .
مرت الايام والأشهر على ( سمير ) في كندا وربما تأثر صديقنا ببرودة الطقس والجليد في هذه البلاد فأصبح ينسى أو يتناسى على ما يبدو بأنه ترك وراءه زوجه وافواه ثمانية أطفال تطلب الطعام والملبس والمدارس وما الى هنالك من أمور معيشية اخرى ويعد ان لمس عن قرب بأن الحياة الغربية هنا تختلف عما عهده في وطنه فهنا الحرية وتستطيع ان تفعل ما تشاء دون حسيب أو رقيب مثلما كان يردد دوما على مسامع الأشخاص العرب القلائل الذين كان يصارحهم بالأمر بشكل متكرر وممل أحياناً .
 ومرت الايام في حياة ( سمير ) سريعة ويبدو انه تذكر في ذلك الصباح البارد بأن له أطفالا وزوجه ينتظرون منه المال تمهيدا لإحضارهم الى هنا ، وهكذا كان الاتفاق مع زوجته قبل الحضور الى هنا ( سأعمل كل جهدي في سبيلكم ) كانت هذه كلماته الأخيرة لزوجته عندما  ودعها  في المطار  ذلك النهار المشؤوم والذي لا تنساه  زوجته ما دامت  حية  .
بطريق الصدفه تعرف سمير الى ( باتريك ) مهندس شاب كندي يعمل في شركة كندية كبرى ، معظم أعمالها عبر البحار ويبدو ان ( باتريك ) قد حن قلبه على ( سمير ) بعد ان أخبره هذا الأخير عن وضعه الحالي ووضع عائلته التي تنتظر على احر من الجمر خبرا منه وبدا ان ( باتريك ) عقد العزم على مساعدة سمير فوجد له عملا بدخل محترم يستطيع من خلاله ان يوفر مبلغا جيدا من المال  ، وبالتالي يساعده للحصول على الأوراق القانونية تمهيدا لتقديم طلب جمع شمله مع عائلته  والاستقرار  لتلك العائلة الكبيرة  عددا .
وفي احد الايام عاد ( باتريك) من احد أسفاره الكثيرة والمتواصلة وأبلغه بأنه يدعوه الى العشاء في منزله بإحدى ضواحي المدينة الفاخرة وما كان من سمير الا ان احضر افخر الثياب عنده وتوجه الى المنزل صديقه ( باتريك ) تلبية لدعوته ، وصل (سمير ) فوجد صديقه بالانتظار وما ان جلس ( سمير ) على الأريكة حتى دخلت سيدة طويلة القوام وتولى (باتريك ) التعريف بها انها زوجتي ( جيني )  ،    هذا هو سمير الذي حدثتك عنه يا عزيزتي قال ( باتريك ) مخاطبا زوجته التي وصلت لتوها ودعتهما الى طاولة العشاء وانضم لهم لاحقا ولدا ( باتريك ) ( جيسون) و( راندي) .
لاحظ ( سمير ) ومنذ اللحظة الأولى بأن ( جيني ) تطيل النظر اليه بشكل ملفت وحاول هو الانشغال بالنظر الى صحنه أو بالتحدث مع صديقه ( باتريك ) الذي بدا محتفيا بصديقه الجديد (سمير ) وبعد العشاء تناول الجميع القهوة وبعدها استأذن ( سمير ) بالانصراف لانه سيعمل مبكرا في الغد التالي للذهاب الى عمله .
ويبدو ان الحظ ابتسم لسمير فقد قبلت محكمة اللجوء أوراقه وبالتالي فانه سيحصل على أوراق الإقامة في كندا ويصبح وضعه شرعيا مئة بالمئة .
اتصل ( سمير ) (بباتريك ) هاتفيا في مكتبه واعلن له خبر حصوله على الأوراق ففرح باتريك كثيرا لهذا الأمر وتمنى له التوفيق والعمل الآن على تقديم طلب لإحضار عائلته الى هنا .
فكر ( سمير ) بأمر عائلته في الوطن وبدا للحظات قليلة بأن الشيطان يوسوس في صدره بأن لا يبدأ بأوراق عائلته ويبدو ان سمير كان له نفس تلك الرغبة لولا المكالمات الهاتفية والرسائل التي تنهال عليه من زوجته مثل المطر .
لم يتردد صبيحة ذلك اليوم بالذهاب الى دائرة الهجرة وإحضار الأوراق المطلوبة والاستمارات ليعمد الى تعبئتها وإعادتها ثانية الى دائرة الهجرة للموافقة عليها تمهيدا لإحضار عائلته الى كندا .
أمر متميز حصل هنا ان ( جيني ) كانت تتصل هاتفيا بمنزل سمير وتلح عليه بأنها تريد ان تراه في أمر مهم ولكن ( سمير ) أدرك على ما يبدو ان المرأة تتحجج بهذا السبب لأسباب اخرى كان ( سمير ) في كل مرة يعود فيها ( باتريك ) من السفر يدعوه الى منزله وكانت ( جيني ) تبدو في كامل جمالها واناقتها في كل مرة يزور (سمير) منزلهم .
ومرت ايام بعد تقديم ( سمير ) لطلب جلب عائلته حتى جاءه أشعار من دائرة الهجرة ان سمات الهجرة اصبحت جاهزة في السفارة الكندية في بلد ( سمير ) فأتصل بزوجته واعلمها بالأمر ففرحت ( حسيبة ) فرحا شديدا فهي صبرت على هذه اللحظة ثماني سنوات وان لها ان تذهب الى كندا لترتاح أو هكذا خيل لها في البداية !!
المهمّ ان ( حسيبة ) وأولادها الثمانية وصلوا الى كندا وفرح ( سمير ) برؤيتهم ولكن فرحته ارتسمت عليها علائم الدهشة والتعجب عندما وجد ان ( جيني ) وصلت الى المطار لاستقبال عائلته وأقلت نصفهم على الأقل بسيارتها فيما تولى ( سمير ) نقل بقية الأطفال مع زوجته .
وبدأت (جيني ) تزور بيت (سمير) بشكل يومي تقريباً وكانت تتحدث مع ( سمير) بكل حرية لعلمها ان زوجته تجهل الإنكليزية ولكن ( حسيبة ) شعرت باحساسها الأنثوي ان مساعدة هذه المرأة لزوجها ولهم  تتعدى الطابع الإنساني كما كان زوجها يردد على مسامعها دائما .
ظلت (جيني ) تحاول مع سمير حتى وصلت الى قناعة انه اصبح أسيرا لها ومستعد ان يفعل اي شيء تطلبه منه على الإطلاق في سبيل إرضائها ولم يكتف ( سمير ) بأنه كان يذهب مع ( جيني ) الى المطاعم أو أماكن عامة كثيرة حتى وصل به الأمر الى ان يزورها في منزلها بعد ان أعلمته ان زوجها (باتريك ) مسافر ولن يأتي قبل أسبوعين وحصلت مفاجأة كبرى عندما عاد ( باتريك ) فجأة الى المنزل ليحدث لزوجته شيئاً من المفاجأة بحضوره المبكر في سفرته ولم يتمالك باتريك أعصابه عندما وجد سمير وزوجته في وضع غير مقبول  ومستهجن    !!
 شعر ( باتريك) بأن الأرض تموج به وكل ما تفوه به كان أمرهما بالخروج من بيته ومن حياته نهائيا طردهما من المنزل لم يستطع ( سمير) النظر في عيني (باتريك) وهو يغادر المنزل شعر في قرارة نفسه ان العمل الذي فعله شيء معيب ومقرف في ان معا ومع من؟! مع من مد يد العون والمساعدة له في هذه البلاد ! كانت نتيجة هذا الأمر تدمير مصير عائلتين والصورة النهائية لهذا الوضع كانت على الشكل التالي :
(سمير ) ترك زوجته وأولاده وهو يسكن مع ( جيني ) التي تركت هي الأخرى أولادها لتعيش مع (سمير) .
( باتريك ) الزوج احتفظ بالولدين ويعيش حياة بعيدة عن كل الناس .
اما (حسيبة) فاستقلت في منزل خاص بها مع أولادها ولكنها عالجت الخطأ بخطأ أفدح فهي تنتقي الرجال على ذوقها وربما ساعدها بعض من جمالها على ذلك المهم ان الضحايا في هذه القصة هم الاطفال الذين انطبق عليهم المثل المأثور الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون !!!
حاولت ان انقل بأمانة ما جرى في هذه القصة الحقيقية   واترك للقارىء الكريم ان يحكم  بنفسه   على هذا الموضوع    .
                                            على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                         الاربعاء  12     حزيران        2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x