بقلم :   علي إبراهيم طالب
وندسور    كندا
 
سبعة عشر عاماً مّرت منذ اللحظة الاولى التي وطأت بها قدما صابر ارض المغترب الكندي في السادس عشر من شهر آذار 1991  ، هو يتّذكر ذلك اليوم  جيدا  عندما حّطت به الطائرة في ذلك الهزيع الأخير من ذلك الليل الكندي البارد . 

عمل صابر في مهن وأماكن كثيرة فكل بداية صعبة محفوفة بكل انواع التجارب التي ممكن ان تخطر على بال اي مهاجر جديد الى بلاد الصقيع والأحلام المؤجّلة هذه أقله على صعيد صابر . 
بعد مرور ثلاث سنوات على وجوده في هذه المدينة الكندية استطاع صابر الحصول على عمل في تلك الشركة الكبيرة التي ناهز عدد عمالها وموظفيها الستة آلاف فقد كانت شركة ضخمة وفيها بشر وموظفين من كافة الأعراق والألوان والجنسيات وهي السمة المميزة التي تختلف بها كندا عن سواها من دول العالم قاطبة 
كان مضى على عمل صابر في تلك الشركة اكثر من ثلاث سنوات عندما حضر العامل الجديد ( جاك ) الى نفس القسم الذي يعمل فيه صابر وبما انه من النوع الودود والانساني فقد تقّدم من جاك وعّرفه عن نفسه وعرض عليه المساعدة في اي أمر يتعلق بالعمل الجديد بحكم الخبرة ومعرفته الوافية بطبيعة وظروف العمل ولم يكن صابر يتوقع من العامل الجديد الا الترحيب بعرضه   ،  ولكن جاك فاجأه عندما قال امامه انه لا يحب العرب ولا المسلمين في موقف فاجأ صابر على اساس ان جاك ذلك يتابع الاعلام وهو يصدق كل ما يقال ويوصف به العرب من أوصاف ظالمة وقاسية من وسائل الاعلام المعروفة وهو يعتبر ان كل انسان عربي هو شرير وقاتل وإرهابي ! 
اعتبر صابر ان جاك هذا من النوع المشاغب والذي يحاول إيذاء الأخرين وفعلاً صدق ما توقعه صابر بشعوره الداخلي عن العامل الجديد فبدأ يلاحظ انه يريد إيذاء والتسّبب له بمشاكل وعقبات في العمل بشكل مُتعّمد وفاضح ولعل أمور عديدة ساعدت العامل الجديد الذي تّفنن بأمور الكذب وساعدته ظروف التعبئة الاعلامية الظالمة ضد كل ما هو عربي ومسلم . 
 
تمر الأيام والأشهر وألسنين ومحاولات جاك مستمرة بإيذاء صابر دون أي مبرر فقد استّغل الاول تجاهل الأخير له وعدم التحدث معه للإنتقام منه بأي وسيلة مهما بلغت من الحقد والغباء .
كان صابر مسؤول عن رعاية عائلة ويعتبر أن عمله أمر مقدس وعلى الرغم من مرور تسع سنوات على عمله في تلك الشركة فقد كان يحتفظ بسجل نظيف خال من اي مشاكل أو تأخير عن العمل ،  فقد كانت تلك الشركة تعتمد أسلوب النقاط في التعامل مع الموظفين فيخسر أي موظف نقطة أو نقاط عديدة في حال التأخير عن العمل أوعدم الحضور بتاتاً أو التسّبب بمشاكل للشركة أو ممتلكاتها أو موظفيها وكأنه لم يكن أي أمر يّعكر عليه مصاعب الغربة نفسها وقسوة العمل نفسه وظروفه الخاصة حتى زادت عليه ألاعيب وأحتيال جاك فكان وحيداً يشكو أمره لله تعالى دون غيره .
 حضر صابر كعادته إلى مقر عمله في ذلك الصباح الباكر ليبدأ دوامه عندما لفت نظره أعلان جديد يتوسط لوحة الإعلانات قرب القسم الذي يعمل فيه تّقدم فإذا به يقرأ أن والده جاك العامل معه قد توفيت وسيقام مراسم الدفن لها بعد يومين في المكان والزمان المحدد في ورقة العزاء .
 في اليوم المحدد للدفن كان صابر يقود سيارته إلى المدينة الكندية الأخرى ألتي تبعد عن مكان سكنه لأكثر من تسعين دقيقة ووصل إلى كنيسة  تلك البلده حيث مسقط رأس والده جاك وما أن أخترق الصفوف وسط الكنيسة حيث ساد صمت مطبق وعندما وصل أمام جاك لم يستوعب الأخير الامر وهّب من بين صفوف الحاضرين ورّحب بصابر وصافحه بحراره لافتة  وأخذه أمام نعش والدته المُسّجى أمام المذبح وقال له :
 (( أنت إنسان بكل معنى الكلمة ، انت أفضل مني لقد حاولت إيذاءك مراراً وتكراراً دون أي سبب سوى الحقد عليك لسبب أجهله ، أرجوك سامحني أستحلفك بوالدتي المُسّجاة أمامنا فأنت الوحيد الذي حضر من كل الستة آلاف عامل وموظف من الشركة الكبيرة  التي نعمل فيها   ))   !!
 وقف صابر وقال له أنه نسي كل الماضي وجاء لتعزيته بوفاة والدته ومنذ ذلك اليوم تحول جاك إلى إنسان آخر بين ليلة وضحاها وقال أمام الاخرين وردّد دوماً أن صابر عّلمه درساً لم ولن ينساه ما دام حياً .
ما اقسى   قلوب بعض البشر عندما  تكره  بلا اي  اسباب  مبررة   !!
انها الحياة  فعلا  . 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                                               على الخير   والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى 
 
 
 
                                                 علي   ابراهيم   طالب

 
 
 
                                                وندسور    كندا
 
 
 
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
 
 
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
 
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
 
 
 
 
 
 
                                              الاربعاء  20      تشرين الثاني                   2013
 
 
 
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x