بقلم علي إبراهيم طالب

مجلة الحوادث – لندن رسائل إلى المحرر – عدد 1948 الجمعة 4 آذار 1994

جريدة المرآة – مونتريال – العدد 308 الأربعاء 9 نيسان 1997

——————————————-

 أقلعت بنا الطائرة من مطار وندسور في الساعة الحادية عشرة تماماً، ووصلنا إلى مطار تورنتو الدولي عند الثانية عشرة تماماً. ساعة واحدة قضتها الطائرة الصغيرة التي تتسع لعشرين راكباً فقط.

كان لابد لنا من الانتظار حوالي ثلاثة ساعات في مطار تورنتو لكي تقلنا طائرة أخرى إلى مطار هيثرو في لندن وعند الثالثة والدقيقة العاشرة انطلقت بنا الطائرة الكندية تشق عنان السماء في رحلة مباشرة إلى لندن، استمرت على مدى ثماني ساعات كان معظمها فوق المحيط الأطلسي وكنا بين الفنية والأخرى ننظر عبر نوافذ الطائرة إلى تجمد مياه المحيط. كانت رحلة عادية جداً لا يقطع علينا جو الهدوء إلا صوت المذياع، يعلن مرة عن وجود منخفضات جوية، ومرة أخرى إسداء بعض النصائح للركاب.

في رحلتنا هذه وصلنا إلى مدرج مطار لندن وحطت بنا الطائرة مع ما يصاحب ذلك من تصفيق وصياح الركاب لوصول الطائرة بسلام إلى أرض المطار.

في المطار انتظرنا حوالي ساعة لكي نستقل الطائرة اللبنانية التي ستقلنا إلى بيروت. وكانت جاثمة على أرض المطار، ويا له من شعور مؤثر انتابني في تلك اللحظة لدى رؤيتي للطائرة. إنه شعور مليء بالحب والحنان إلى ما كل يمت إلى الوطن والتراب بصلة.

بعد لحظات صعدنا إلى الطائرة وأخذنا أماكننا، وبعد الترحيب من قائد الطائرة شارحاً وجهتنا، أي بيروت ، مقدراً المسافة بخمس ساعات. جلست في مكاني ولا أدري لماذا كانت أعصابي مشدودة. أفكار كثيرة جالت بخاطري، كيف سيكون اللقاء وهل حقاً سأرى الأهل والأصحاب والأحباب؟

خلال المرحلة الأخيرة من رحلتنا قضى معظم الركاب المسافرين وقتهم بين القراءة والنوم بينما تسمرت عيون الآخرين وأنا منهم إلى النظر عبر النوافذ إلى البلدان التي كانت الطائة تمر فوقها فيما صوت المضيفة يذكرنا فوق أي المدن نظير الآن.

استمر الحال على هذا المنوال إلى أن جاءنا صوت قائد الطائرة يعلمنا بأن الطائرة دخلت الآن الأجواء اللبنانية، في تلك اللحظة أحسست ان نبضات قلبي قد ازدادت. بشكل سريع، وشعرت أن أعصابي مشدودة كما لم أشعر من قبل في حياتي. الطائرة الآن فوق بيروت، بيروت حركة القلب الذي لا يهدأ. الناس في كل مكان. الشاطئ في صورته الرائعة. إنها بيروت قلب لبنان المعافى.

لحظات قليلة وكانت الطائرة تهبط على مدرج بيروت. وما أن لامست الطائرة أرض المطار حتى شعرت أن قوة رهيبة قد انتزعت قلبي من بين ضلوعي. كان تصفيق الركاب وصراخهم هذه المرة أقوى. ووسط هذا الجو اللطيف أخذت الطائرة مكانها وبدأ الركاب بالنزول. دخلنا جميعاً إلى باحة المطار وبعد الإجراءات العادية، خرجنا إلى باحة المطار الخارجية حيث كانت حشود المستقبلين تنتظر خروج المسافرين على التوالي.

خرجت وإذا بصوت يستقر في أذني، التفت إلى مصدر الصوت كانت أمي! بصوتها وحنانها الدافئين هي أول من استقبلني كانوا جميعهم بانتظاري. أخوتي، والدي ، الأقارب والأصدقاء ويا له من منظر أفاضت المشاعر الإنسانية النبيلة بأبهى صورة، ألمني جداً وهزني بعنف مشهد لم أتمالك نفسي فخرجت دموعي دون استئذان. إنه الحب، الوفاء، الطيبة كلها أشياء ومع الأسف الشديد تفتقدها في الغربة، في هذا المجتمع الغربي الذي يتحول فيه الإنسان إلى مجرد آلة همها الأوحد زيادة الإنتاج ولا شيء آخر، أو يصبح رقما في ملفات مصنع أو شركة، فيسألون عن رقمك ولا يسألون عن إسمك.

وأنا في هذا الجو المُشبع بالحنان والدفء إذا بجرس الهاتف يرن بشكل مرعب ومزعج فقمت على عجل وإذا بالجانب الآخر صوت يقول “لك اتصال هاتفي من لبنان”

آه … لم يكن ذلك إلا حلم جميل عشت خلاله لحظات حلوة.

بعد أن أنهيت الاتصال الهاتفي عدت إلى فراشي لعل وعسى أواصل متابعتي لمجريات رحلتي الشيقة التي كانت مع الأسف الشديد حلماً ، ولكن ما أجمله حلماً بديعاً.

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x