صابر والقمار
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور   كندا
مجلة الحوادث    لندن
بريطانيا
رسائل الى المحرر
رقم العدد 2373
الجمعة 26 نيسان
2002
 أحضرت قهوة الصباح كعادتي اليومية ورحت اقلّب صفحات تلك المجلة العربية بشغف كبير ، زقزقة العصافير ونسمات الصباح الباردة لا تمنع من ان يتحول الطقس الى يوم حار جداً مثلما حصل على مدى الأسبوع الماضي حيث وصلت درجة الحرارة في يوم واحد الى مئة وخمسة عشر درجة  مئوية   ، في  يوم كندي بأمتياز  يتحول الطقس العادي الى عدة طقوس  مختلفة غي اليوم الكندي  الواحد  .
لا عجب بذلك فأب هو شهر لهاب اينما كان ! المهم اني تمنيت بيني وبين نفسي ان تكتمل جلستي هذه بحضور الصديق صابر ولم أكمل حتى التفكير في هذا التمني حتى سمعت جرس باب المنزل يقرع وحضر صابر .
وبعد السلام قلت له لن أقول لك ما يقوله المثل العامي في لبنان « حضر الديب » اي الذئب هيئوا له  العصا  باللغة العامية .
بادرني صابر وهو يتهيأ لان يرتشف اول رشفة من فنجان قهوته قائلا : أريد ان أسألك هذا السؤال ؟ فأجبته : كلي سمع تفضل
يا اخي ، قال  ماذا تعرف عن القمار والمقامرة بشكل عام ؟
في حقيقة الأمر أحسست ان هذا السؤال قد أيقظني بالفعل وعدلت قليلا من جلستي وقلت لصابر : يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم تأتيني في هذا الصباح الباكر والشمس لما تشرق بعد لتسألني عن القمار  ؟؟
فردّ علي   بالله عليك يا اخي دع المزاح جانبا وحدثني عما تعرفه عن القمار والمقامرة .
فقلت له وقد سلمت امري الى رب العالمين : يا اخي كل ما اعرفه عن القمار  والمقامرة انه من اصعب بلايا هذه الحياة ان يُصاب الانسان بمرض المقامرة ، لانه فعلاً مرض رهيب قد يصل الأمر بالإنسان المقامر بالمجازفة بكل ما يمكل بدءا بمنزله او متجره او سيارته وحتى خاتم الزواج الذي يحمله وصولا الى أمور وأشياء قد لا يتصورها عقل بشري عاقل ومتزن .
وأضفت : المقامرة ربما على أنواع بالإضافة الى القمار العادي الذي قد يمارسه اي انسان عادي  في حياته الشخصية   بالادمان على العاب القمار والميسر   وما اكثر انواعها في حياتنا الحاضرة  هذه  .
 وقد نجد ان الأمر قد يصل بزعيم ما الى ان يقامر بمصير وطنه وشعبه وهو ما نراه ونلاحظه في حياتنا العادية   في غير مكان من هذا العالم   المجنون والمترامي الاطراف الذي نعيش  فيه  .
ولاحظت ان صديقي صابر يتابع حديثي باهتمام وعندما أنهيت كلامي قال : دعني أحدثك عن تجربتي انا كموظف في كازينو المدينة لعدة اشهر مرت في هذه المدينة التي نعيش فيها ، وأردف صابر قائلا : عندما اذهب الى الكازينو لاعمل يومين في الأسبوع فقط او خمسة ايام حسب ظروف العمل ، أقف بعض الاحيان وسط هذا الجو الغريب والجديد بالنسبة لي واسأل نفسي لماذا انا هنا ؟ وان كنت اعرف اني اعمل هنا ولكن أقول لنفسي مجدداً لماذا هذا العمل بالذات وفي هذا المكان تحديداً ، وتصمت الكلمات عن أعطائي الجواب وتابع صابر : انت تعرف يا اخي ان ظروف إيجاد عمل في هذه الايام اصبح من النادر جداً نتيجة للحالة الاقتصادية المتدهورة في كل أرجاء العالم ولا سيما في كندا التي تعاني كغيرها من مشاكل البطالة وعدم وجود فرص عمل جديدة وما الى ذلك   ،  اذا امام هذه الامور كنت مضطرا للقبول بالعمل في قسم التنظيف في الكازينو ليومين في الأسبوع وأتابع دراستي  المعتادة في الكلية تمهيدا للحصول على شهادة في ادارة الفنادق  والمطاعم علني استطيع الحصول على عمل افضل بعد تخرجي تابع صديقي صابر ، وأضاف : بالحقيقة اني اتألم كثيرا وانا ارى الناس منهمكة بالمقامرة سواء على الماكينات الكثيرة او على الطاولات حيث ترى كل مجموعة قد تحلقت حول طاولة معينة ووسط هذا الجو العابق بالقمار وروائح الدخان والمشروبات والأجساد المتثاقلة المنهكة من طول الجلوس .
يتابع صابر : وتراني أصاب بالإحباط والقهر الشديدين عندما المح اي انسان عربي داخل الكازينو  سواء في مقتبل العمر او تقدم به السن ويفترض ان يكون بمنأى عن هذه الأماكن . يقول صابر : ارى شباب  وشابات عرب  في مقتبل العمر وفي عمر الورود وقد انتشروا على الماكينات والطاولات وهم يقامروا بكل شيء تقريبا حتى بأحلامهم  الوردية  ربما  ،     وتراني يا صديقي احزن أيضاً عندما أرى اي رجل عربي أو سيدة عربية أخذت بعضاً من الوقت الثمين لتمضية هذا الوقت مع العائلة او مع الاصدقاء الحريصين والمخلصين ، او هذا الرجل العربي الذي قد يكون ترك خلفه في المنزل عائلة من زوجة وأولاد ينتظرون منه الحنان والعطف والمحبة .
سادت لحظات من الصمت بعد ان أنهى صابر كلامه وقد هالني هذا الوصف الدقيق والرائع منه لمأساة تعيشها عائلات سواء أكانت عربية ام أجنبية .
وعرفت ان صابر يتحدث من قلب لا يعرف الا المحبة والخير للناس كل الناس دون اي تمييز بين لون وعرق وجنسية .
وسألني صابر مجددا عن تحليله للموضوع الذي دار بيننا فقلت له في الحقيقة يا اخي بأني اتفق معك في كل شيء قلته وذكرته عن هذه الآفة الخطرة وهي المقامرة وسردت له ما أتخيله عن حالة المقامر وهو انه قد يأخذ من وقت عمله او بيته في سبيل المقامرة ، او انه قد يقامر في السر حتى لا يكتشف أمره واعرف واعلم علم اليقين ان من يقع في فخ وتجربة القمار من الصعب عليه ان يتخلص من هذه العادة بسهولة ، فالمقامر قد يتصرف بالمال المفترض به ان يدفعه كايجار منزله الشهري او قسط منزله للبنك او المال المفترض ان يدفعه  للفواتير المستحقة من غاز وكهرباء وماء وتأمين وأمور كثيرة اخرى تتطلبها الحياة ولا سيما في هذه البلاد حيث تجتمع الضروريات والكماليات في خانه واحدة وتسير في نسق واحد ومشترك .
في الختام جلستي المشتركة مع صابر اتفقنا على أمر واحد وثابت هو ان المقامرة عادة غريبة وبعيدة عن قيمنا وتقاليدنا ، واسأل الباري عز وجل ان يبعد هذه المسألة عنا جميعاً لما فيه الخير والمحبة للناس وكل الناس على سطح هذه المعمورة ودون استثناء من احد .
أبعد الله عنا وعنكم   شرور هذه الافة اللعينة وهي أفة القمار   وما ادراك  ما هي هذه الافة  واخطارها  .

 

على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                            الاحد  11         أب                2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x