قسوة الهجرة
قسوة الهجرة
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
مجلة الحوادث – لندن
بريطانيا
رسائل الى المحرر
رقم العدد – 2245
الجمعة 12 ت٢ 1999
يعيش صابر في هذه البلاد ، حالة تفكير دائمة في قضايا عديدة ومختلفة ، تهمه كفرد وتهم الأكثرية الساحقة من المهاجرين العرب من كافة الأقطار العربية الشقيقة ،الذين اضطرتهم الظروف المختلفة الى الهجرة الى هذا المنقلب الآخر من الكرة الارضية
يتألم صابر دوما عندما يفكر بمصير أولاده والأولاد العرب عموماً هنا ، في ظل هذا المجتمع المادي البعيد كل البعد عن مميزات العائلة ، كما نعهدها في أوطاننا العربية وفي ظل تفكك أسري واضح ، الذي يبدو ان حكومات هذه البلاد الغربية ليست بريئة على الإطلاق في المساهمة فيه بشكل أو بأخر .
ينظر صابر حوله فيرى ان أناسا عرباً ، لم يمض على وجودهم هنا سنوات عديدة قد ذابوا في هذا المجتمع ، وأخذوا العادات والتقاليد المُتبعة في هذه البلاد ، لا بل ان بعضهم تنّكر لأصله ونسي اهله والبلاد التي أتى منها ، في سبيل طلب العلم أو العمل لتحقيق حياة حرة وكريمة .
يتألم صابرا كثيراً يشعر بأسى عندما تراوده أفكار وتخيلات وأسئلة كثيرة وعديدة ، تدور في خلده ولعل السؤال الذي يحيّر صابر على الدوام هو « هل سينسى أولادي لغتهم الام ويذوبوا كلياً في المجتمع الكندي خاصة والمجتمع الغربي بشكل عام ؟؟
هل ؟ وهل ؟ أسئلة كثيرة وعديدة في آن ، تطرق باب ذاكرة صابر وتجعله يشعر بالحيرة ما بين الحفاظ على اللغة والعادات والتقاليد العربية الأصيلة ، وبين المجتمع الغربي بكل ما له من تأثير على اي شخص يعيش في هذه البلاد .
يقول صابر ويردد على الدوام « ان المال شيء مهم ، وكل انسان بحاجة لهذا المال لكي ينفق على نفسه وعائلته ، ولكن المشكلة تكمن عندما يصبح الانسان العادي عبداً واسيراً لهذه المادة لا يهمه من اين مصدر هذا المال ، أو شرعيته بل المهم هو وجود المال نفسه وان اختلفت وتعددت الطرق غير المشروعة والمحّرمة على كافة المستويات ويضيف صابر : ان الطامة الكبرى تكمن عندما يتحول اي شخص ورّب الأسرة تحديدا الى مجرد آلة لجمع المال ، فينسى نفسه ويهمل عائلته في خضّم هذا المجتمع المادي المتوحش ، الذي يقضي على كل القيم والتقاليد ، ولا سيما منها العربية التي تربينا عليها ومنها إطاعة الوالدين والحفاظ عليهم ، ضرورة تماسك العائلة في كل الأوقات ، والحفاظ على الطيبة وصلة الرحم مع أهلنا واقاربنا وأصدقائنا الأوفياء ، كل هذه الأمور أصبحنا ومع الأسف الشديد نفتقدها تدريجيا وهناك أمور عديدة وحوادث تشير الى هذه الأمور والامثلة في هذا المجال اكبر واكثر من ان تعد او تحصى .
ومع كلام صابر والامه التي ليست في التفكير بنفسه فقط ، بل بحمل الهموم التي يعانيها كل انسان عربي مهاجر في هذه البلاد ، والمحاولة قدر الامكان ان نحافظ على روابط وأواصر الوحدة فيما بيننا ، ومن اي بلد عربي كنا ، فان ما يجمعنا هو رابط أساسي ومهم ، وهي اللغة العربية وان اختلفت اللهجات من بلد الى اخر ، فان اللغة الواحدة تظل تشدنا وبحنين وشوق الى أوطاننا الحبيبة الغالية حيث الاهل الأعزاء والتراب الغالي المقدس ، وأرض طفولتنا حيث فُتحت أعيننا على هذا العالم .
انها الدعوة من القلب يطلقها صابر الى كل عربي وعربية في هذه البلاد ، ان حافظوا على أنفسكم وعلى أطفالكم ، واجعلوا كلمة المحبة هي العنوان العريض والواضح في كل أعمالكم ، وفي كل خطوة تخطونها في رحاب هذه الحياة للوصول الى نتائج طيبة ومقبولة لدى الجميع .
وتستمر مسيرة الكفاح والعمل مع صابر في هذه الحياة ، فيتعالى صابر فوق اي جراح ، وينسى اي إساءة حدثت أو كلمة قيلت ، لانه انسان منطقي وموضوعي ويتعامل بمنطق وحوار هادئين بعيدين كل البعد عن الأنانية والقسوة وإلغاء الغير .
انه صابر الانسان المتواضع والمتسامح الى ابعد الحدود ، القادر على فرض احترامه على الجميع بأسلوبه الرائع والمميز في التعامل مع كافة أبناء البشر دون تمييز أو تعالي على اي شخص في هذه الحياة مهما كانت المبررات والظروف في الحياة .
انه باختصار صابر !
على الخير والمحبة والمودة الدائمة والسلام استودعكم الله ولقاؤنا معكم يتواصل من خلال هذا الموقع والى اللقاء القريب ان شاء الله تعالى .
علي ابراهيم طالب
وندسور كندا
للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
FACEBOOK PAGE : ALI IBRAHIM TALEB
الخميس 16 أيار 2013