من قصص الحياة
من قصص الحياة
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
مجلة الحوادث – لندن
بريطانيا
رسائل إلى المحرر
رقم العدد : 2075
الجمعة 9 آب 1996
خمس سنوات مضت على نجوى تلك الفتاة التي عاندتها الحياة كما لم تعاند اي شخص من قبل ، على العمل في ذلك المكتب المتخصص ببيع العقارات الموجود في ضاحية هادئة من ضواحي المدينة التي كانت تعج يومياً بالحركة الصخب وهدير السيارات والعربات التي كانت تحيل النهار في تلك المدينة الى ما يشبه الغيوم المتكونة من دخان المصانع والسيارات .
استيقظت نجوى ذلك اليوم منذ سنوات خمس على صراخ وعويل في دارتهم المتواضعة ، علا الصراخ والضجيج وتراكض اهل المحلة لمعرفة ماذا حصل وجاءهم الخبر الحزين رحل والد نجوى عن هذه الدنيا الفانية وترك وراءه ستة أطفال كانت نجوى أكبرهم وزوجة أنهكتها السنون واقعدها مرض عضال فأصبحت طريحة الفراش لا تقوى على الحراك .
بين ليلة وأخرى ذاقت نجوى طعم اليتم وأحست بثقل المسؤولية التي وقعت عليها بشكل مفاجئ بعد رحيل والدها ومرض أمها وملازمتها الفراش على الدوام . كأن نجوى استفاقت على حلم قاسي ووجدت خمسة أفواه لأخوة لها صغار يريدون الأكل والشراب والملبس والمدارس وما الى ذلك من أمور حياتية مهمة ولا غنى عنها .
قررت نجوى وبعد مرور اسبوع على وفاة والدها التوقف عن دراستها الجامعية والسعي للحصول على عمل تسد به رمق هذه العائلة التي اصبحت بلا معيل بوفاة الوالد الفجائية .
كانت نجوى تبدأ يومها باكراً بالخروج من المنزل من اجل الحصول على عمل يؤمن لها ولاخوتها العيش الكريم يمنع عنهم العوز والحسنات من الأشخاص الذين كانت حالتهم المادية تسمح بذلك .
تقدم لخطبة نجوى في احد الايام رجل عجوز في حوالي السبعين من عمره معه من المال الوفير ما لا يعد ولا يحصى .
رفضت نجوى هذا العرض فكيف لها ان ترضى زوجاً في السبعين وهي لم تتعد العشرين ربيعاً من عمرها بعد .
استمرت نجوى في البحث عن العمل الى ان وفقت في هذا المكتب الذي تعمل فيه الأن كان صاحب هذا المكتب من النوع البخيل جداً والذي يقف فوق رؤوس الموظفين حتى لا يتحرك احدهم من على كرسيه .
وهكذا دواليك كانت نجوى تعاني كل يوم من طمع وجشع رئيسها في العمل فقد كانت هي مساعدته الرئيسية في المكتب ،وكان عليها تحضير كل الملفات المتعلقة بالعمل كل يوم في الصباح الباكر حتى تؤمن له ان العمل سيسير بشكله الطبيعي وفرض عليها رئيسها ان تحضر الى المكتب كل يوم قبل ساعة من موعد الدوام الرسمي ويفرض عليها البقاء الى ساعة متأخرة من الليل بدوام مكثف وآجر قليل ومتواضع بالقياس الى ما كانت تنجزه من أعمال .
كانت الأوراق امام نجوى تُسقى أحياناً كثيرة من الدموع الغزيرة التي تتساقط من عينيها من هذا الظلم الجائر ولكن كانت تفكر دوماً بأخواتها وبأمها المسكينة فتعود وتتصبر بالله تعالى ، اما رئيسها في العمل فكان يحضر المزيد من الملفات ليضعها امام مكتب نجوى ليثبت كل يوم ان في هذه الدنيا مظهر حق وصدق يتمثل بنجوى الصابرة ألمجاهدة ومظهر ظلم وباطل يتمثل برئيسها في العمل .
كأني بعيني نجوى تتكلم وليس فمها لتقول بدموعها السخية ما تعجز كل كلمات الدنيا عن البوح ما يختزن صدر نجوى وقلبها ، من الالام والعذابات التي باتت تحملها بين ليلة وضحاها بشكل مفاجىء ومرعب الى ابعد الحدود .
على الخير والمحبة والمودة الدائمة والسلام استودعكم الله ولقاؤنا معكم يتواصل من خلال هذا الموقع والى اللقاء القريب ان شاء الله تعالى .
علي ابراهيم طالب
وندسور كندا
للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
FACEBOOK PAGE : ALI IBRAHIM TALEB
الثلثاء 18 حزيران 2013