نهاية مقامر
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
مجلة الحوادث
– لندن    بريطانيا
رسائل الى المحرر
العدد – 2255
الجمعة 21 ك٢ 2000
عندما وصل مازن الى أميركا في أوائل العام 1970 ، لم يكن يخطر في باله بأنه سيكون يوما ما من أصحاب الملايين من الدولارات الخضراء ، لانه عندما حضر الى بلاد العم سام ، رضي بأي عمل تأمّن له فعمل في جلي الصحون بأحد المطاعم ومن ثم في شركة لإعداد اللحوم المعلبة ، واستطاع تجميع بعض الأموال لشراء محطة لبيع المحروقات في المدينة الأميركية التي يسكن فيها .
عندما اشتري مازن محطة الوقود تلك قرر ان يترك العمل في شركة اللحوم ليتفرغ نهائياً للعمل في المحطة وعمل مازن بشكل مرهق واستطاع في مدة زمنية معينة من تجميع مبلغ كبير من المال ، وقرر ان يشتري محطة وقود ثانية وهكذا أعطاه الله من الرزق الكثير والمال الوفير ، فأكتفى مازن بأن يدير المحطات التي يمتلكها بعد ان استعان بعمال كثيرين لتغطية ثلاث دوامات للعمل بحيث تعمل كل محطة مدة أربع وعشرين ساعة يومياً .
ومرت الايام وابتسم الحظ مجدداً لمازن ولكن بطريقة مميزة هذه المرة ، إذ قرأ في الجريدة ان شركة المحروقات التي يتعامل معها معروضة للبيع وقيمة المبلغ هو بملايين الدولارات فجمع مازن كل ما يملكه . وعمل على أخذ قرض من البنك وتقدم لعملية الشراء ، وكم كانت فرحته عامرة عندما فاز هو بعقد شراء الشركة ، وفرح مازن كثيراً لهذه النقلة النوعية التي وضعته بمصاف كبار رجال الأعمال وخولته الدخول الى عالم المال الواسع من كافة أبوابه .
كان مازن على الرغم من كل ما يملك من المال مصراً على النجاح ، ولعله أدرك انه لم يصل الى ما هو عليه الآن لولا السهر الطويل والمجهود الجبار الذي وضعه في هذا الأمر ، الشيء السيء الوحيد الذي كان ملازما لمازن لا بل متلبسا به وبشخصيته هو إدمانه على أبشع أنواع الإدمان على الإطلاق وهو القمار فقد كان مازن مقامرا من الطراز الأول وكان مثابرا على توزيع وقته بين سباق الخيل وزيارة الكازينو الذي افتتح منذ خمس سنوات وبشكل يومي تقريباً .
كان مازن يسهر بشكل يومي تقريبا ويدخن بشراهة ولم يلتفت الى صحته على الإطلاق ، بل كان يقبل على القمار وكأن هذا الأمر قد شغل عقله أو انه يسري فيه ، كما تسري الدماء في عروقه .
كان مازن يخسر الكثير من الأموال وبشكل يومي ولكن إنتاج شركة المحروقات التي يمتلكها كان يفي بالحاجة ولا داعي القلق أو هكذا كان يفكر هو على الدوام ، لكي يستمر في إدمانه القاتل هذا ، قرر مازن ان يزور وطنه الام يوماً بعد انقطاع دام خمسة عشر عاما ، مع العلم انه يستطيع ان يزور وطنه عدة مرات في السنة لو أراد هو ذلك . فعلا وصل مازن الى ارض الوطن ولقي حفاوة واستقبالاً كبيراً من اهله وأقاربه وأصدقائه ، ولفت نظر مازن في المطار وجود فتاة تقف مع اهله وتطوعت والدته لتعرفه على الفتاة ( انها نورما ابنة خالك يا مازن ) لم يصدق مازن الأمر ، معقول قبل سفري تركت نورما فتاة صغيرة تربط شعرها بجدائل على شكل ضفائر ، وها هي الآن عروس جميلة وجذابة .
في حقيقة الأمر كانت فرحة مازن كبيرة عندما شاهد نورما ، ويبدو ان أمرا صادره أو صوتاً انطلق بداخله يقول بأنه سوف لن يعود الى أميركا الا ويكون متأبّطاً ذراع نورما !
ويبدو ان حظ مازن كان ينجح في كل شيء الا في مسألة القمار !
وتقدم مازن لخطبة ابنة خاله ورحب الجميع وتم الاتفاق بأن يجري مازن الأوراق ويصطحب عروسته معه الى أميركا ، هكذا كان شرط خاله لإتمام هذا الأمر ، وفعلاً سارت الأمور مع مازن على احسن ما يرام ولم تكد تمضي ثلاث أسابيع الا وكان مازن يصعد الى الطائرة المتجهه الى أميركا وبصحبته زوجته نورما الي بدت السعادة غامرة على وجهها وان كانت ستفارق أهلها وهو أمر صعب للغاية عند الناس بأجمعهم .
اما مازن الذي بدا سعيدا هو الآخر فتذكر المرة الأولى التي سافر فيها الى أميركا كان يحمل في محفظته مبلغ خمسين دولارا أميركيا ، وها هو يعود الى أميركا متأبطا اجمل وارق زوجة ، ويفتخر بحسابه البنكي الذي فيه الملايين من الدولارات !!
وصل مازن ونورما الى مطار المدينة الأميركية التي يسكن فيها مازن وعلى الفور استقلا السيارة الى منزلهما بعد عناء سفر استمر لساعات طويلة . مرت الايام ومازن يحقق النجاحات المتتالية على صعيد عمله ، ولم تمنعه هذه النجاحات ووجود زوجته الى جانبه ، من الإقلاع عن عادته السيئة الذكر القمار لا بل انه اصبح مدمنا بشكل انه يترك عمله أو اي شيء آخر ليجلس مقامرا على الموائد الخضراء .
كان مازن يتغيب عن المنزل في اغلب الليالي مبررا ذلك الغياب امام زوجته بأنه بسبب مشاغل العمل الى ان أحست نورما ان شيئا ما يحدث وهي لا تدري به على الإطلاق كانت نورما تفتح صندوق البريد احيانا لتجد رسائل باسم زوجها مازن على شكل دعوات لحضور حفلات ومناسبات خاصة من كبرى الكازينوهات والفنادق في لاس فيغاس عاصمة القمار في العالم واحيانا من أتلانتيك سيتي حيث تنتشر نوادي القمار والكازينوهات والفنادق على نطاق واسع ويوماً ما أرادت نورما ان تعرف من مازن الحقيقة وعما يدور لانها شعرت بأنها وحيدة على الدوام ، وتقدمت من مازن تسأله عن هذه الدعوات باسم الكازينوهات ، فانفجر مازن غضبا وقال لزوجته ، ان هذا الأمر يخصني انا شخصيا ولا دخل لك به .فأجابت نورما ولكني الآن زوجتك فيجب ان اعرف عنك كل شيء هل تلعب القمار يا مازن ؟ فما كان من مازن الا ان صفعها على وجهها فارتمت نورما أرضا من جراء الصفعة وخرج مازن من المنزل وكأنه ثور هائج دُفع به امام مجموعة من الناس .
بكت نورما كثيراً ذلك اليوم وبقيت وحيدة تبكي وتندب حظها ، كان زواجها من مازن جعلها تكتشف في زوجها عادة من أسوأ العادات التي يمكن ان تلازم المرء وهي اقبحها على الإطلاق وهي القمار ، وما ادراك ما هو القمار وآثاره ونتائجه على كافة الصعد!
شعرت   في قرارة نفسها  بان  زوجها  يقود نفسه الى الدمار   والخراب  وهو ما حصل فعلا بعد سنوات عديدة  عندما  أفلس  زوجها   وتحول   من كبار رجال الاعمال  وأهمهم في تلك المدينة  الى ما يشبه    حطام  الرجال  فقد خسر  اعماله مجتمعة  وبيته  ووقفت  نورما   تندب حظها العاثر  الذي اوقعها  في  هذا  النصيب  مع  رجل  ادمن القمار  ،   وتحولت حياتهما  الى عذاب وقلق  شديد   بعد ان اضحت  ما يشبه الجحيم  الغريب والعجيب  في ان معا  .

على الخير والمحبة  والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء الباري  عز وجل  تمجد اسمه   الكريم  .

علي ابراهيم طالب

وندسور كندا

للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag@hotmail.com

الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك                                                    FACEBOOK PAGE :ALI  IBRAHIM  TALEB

ألاثنين   29   نيسان   2013

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x