وداعاً يا والدي الحبيب الراحل

0
وداعاً يا والدي الراحل
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
مجلة الحوادث – لندن
بريطانيا
رسائل الى المحرر
رقم العدد 2175
الجمعة 10 تموز 1998
جلست في منزلي أطالع بعض الصحف والمجلات في تلك الأمسية من شهر شباط حين قطع الهدوء السائد رنين الهاتف الذي ارعبني صوته  على غير العادة  وكانت الساعة تشير الى حوالي الخامسة بعد الظهر .
كان على الخط الآخر من الهاتف قريب لي سألني ان أبقى في المنزل لانه سيقوم بزيارتي بعد ربع ساعة فرحبت به واعلمته اني بانتظاره .
جلست جانباً وأنا افكر بأمر هذا القريب إذ ان علاقتنا قوية ولا يحتاج كلانا ان يتصل بالآخر ليزوره  ، ولم تمض  حوالي  الربع  ساعة  حتى كان باب المنزل يطرق فقمت لتوي وفتحت الباب وإذا بقريبي هذا حضر ومعه عدة أشخاص آخرين ارتعبت للأمر لأني لاحظت على وجوههم علامات ما .
رحبت بهم ودخلوا جميعاً  فبادر أحدهم وهو الأكبر سناً قائلاً ما حرفيته « هذه الحياة زائلة ولا يبقى من الانسان الا عمله الصالح » وأضاف « يا أخ علي عهدت فيك الإيمان والصبر والإيمان بالله تعالى »  فقلت له «ونعم بالله رب العالمين ».
وهنا شعرت بأن الجميع ينظرون إليّ نظرة فيها حزن وألم ولم استمر كثيرا  في تخيلاتي حتى فاجأني ذلك الشخص    ( الأعمار بيد الله تعالى فقد اتصلوا بنا من بيروت منذ قليل ووالدك توفي على اثر ذبحة قلبية حادة في احد مستشفيات بيروت   )   .
لا اقدر ان أصف تلك اللحظة وما حلّ بي فقد شعرت ان زلزالاً دّمر كياني وصرخت ( الله اكبر – الله واكبر ) وشعرت في تلك اللحظات  اني اصبت   بأنهيار  عصبي   ولم اعد أدري  ما يجري  من حولي  من هول تلك الصدمة الرهيبة  التي استمعت لها  للتو  .
 كان هذا الأمر بمثابة فاجعة وكارثة كبرى   ، بالنسبة لي لم يكن والدي الحبيب رحمة الله الواسعة عليه مجرد اب عادي بالنسبة لي ولباقي إخوتي وخصوصاً علاقتي انا به كأكبر أولاده كانت علاقتي بوالدي المرحوم مميزة  ،  كان بالنسبة لي الأب والأخ والصديق الحميم  والرفيق  الأحب الى قلبي  وعقلي  وروحي   كان يعني لي كل شيء في هذه الحياة .
آه … وآه ما أقساك ايها القدر وضرباتك تكون دائماً اشد وأعنف ايلاماً .
مرت على وفاة والدي الحبيب الراحل عدة اشهر وصورته العطرة لا تفارق مخيلتي .
تمنيت ان اكون الى جانبه في اللحظات الأخيرة من عمره الشريف ولكنه القدر والغربة  القاسية التي  لا تزال  سياطها  تلسعني   منذ  حضوري الى هذه البلاد البعيدة   والقاسية  وحتى  يومي الحاضر  هذا  .
آه من الغربة والآمها ومصاعبها وهمومها ، وانت في كل هذه المعمعة تفتقد الأحبة الواحد تلو الآخر .
اصبحت حياتنا شريط أحزان ، نبكي ، نقف ، نتأمل حياة وموت   ،  ألم وأحزان ونكبات   ظلم جائر منذ عهد كربلاء وثورة الإمام الحسين وحتى عهدنا الحالي .
ماذا تراني أقول في الموت الذي خطف من عائلتنا وبيتنا والدي الحبيب المغفور له ( إبراهيم عبد الحسين طالب )   ابو علي  ،   صاحب الابتسامة الهادئة المميزة   والقلب الطاهر  والطيب  الى ابعد الحدود  وهذا  ليس   رأيي  فقط  بل  كل من  عرفه  من  اقارب واصدقاء  ومعارف    والله تعالى  يشهد  على كلامي  الصادر من  هذا القلب   المقهور  والمعذب بكل الالام    منذ  الولادة   وحتى  يومنا  هذا  .
بكيت كثيراً وأحسست  بالدموع تجري على خدودي  بشكل  متسارع  ودون اي توقف  لا ليلا  ولا نهارا   ،  وتلك الغربة   تلسعني كسياط   قاسية  وأليمة من  التي تنزل على ظهورنا واجسادنا .
انها الغربة ، أنه الموت ….
يأتي ذلك  الموت   مسرعاً يخطف منا الأحبة ويمضي مسرعاً .
والدي الحبيب الراحل بماذا أصفك ؟ وماذا أقول عنك ؟ وقد خانتني الكلمات ووجدتني أقف مذهولاً غير مصدق ما حصل ماذا يمكن ان يقول الابن عن والده ؟ والله الباري عز وجل ساوى بين رضاه ورضى الوالدين .
يا رضى الله ورضى الوالدين يا والدي الحبيب الراحل ، كنت ارددها مرات عديدة في اليوم ولم أزل  ،  ليس   لمرة عند خروجي من المنزل صباحاً ومرة عند خلودي الى النوم  ،  ولكن   هذه الكلمة تلازمني   في كل لحظة من لحظات   هذه الحياة القاسية والاليمة  الى ابعد  الحدود  .
والدي الراحل الحبيب أقف خاشعاً أمام أرادة الله تعالى مردداً الآية القرآنية الكريمة :
بسم الله الرحمن الرحيم « يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي »
صدق الله العلي العظيم  .
والدي الحبيب : طيب الله ثراك وأحسن إليك ورحمك برحمته الواسعة وبشر المؤمنين وبشر الصالحين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انّا لله ونّا اليه راجعون .
الى جنان النعيم والخلود ايها الوالد الرحيم ، ورحمه الله الواسعة على روحك الطاهرة المباركة   ، وابعث   لروحك الطاهرة  ثواب السورة المباركة الفاتحة    :
بسم الله الرحمن  الرحيم   الحمد لله رب العالمين    الرحمن الرحيم   مالك يوم الدين    اياك نعبد واياك نستعين  اهدنا الصراط  المستقيم    صراط الذين انعمت  عليهم   غير المغضوب عليهم  ولا  الضالين      صدق الله العلي  العظيم   .
والدي الحبيب مع دمعتي أقول لك وداعاً ايها الأخ والعزيز الذي لن أنساه ما حييت .
                                               على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
                                   الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                    FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                     السبت  11        أيار      2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x