أبو صابر ، صابر وأبو نجيب

أبو صابر ، صابر وأبو نجيب
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
جريدة المرآة
– مونتريال  كندا
رقم العدد – 25 ( 306)
الأربعاء 26 – آذار 1997
كانت علاقة صابر بوالده ولم تزل حتى الآن ، علاقة صادقة ومودة كبيرة ، حتى أن المقربين جداً من صابر لا تفاجئهم الطريقة الطريفة التي يتحدث بها صابر مع والده .
وهذه العلاقة الإنسانية المميزة والقوية لا تعني بالضرورة أن صابر أراد بهذه العلاقة مع والده أن يتعاملا كصديقين فحسب ، بل أن هذه العلاقة كانت مميزة وصريحة إلى أبعد الحدود  علاقة  اخوة وصداقة  الى ابعد الحدود   .
والد  صابر ، في الخمسينات من عمره يتمتع بروح مرحة عالية وتراه على الدوام لا تفارق البسمة محياه الطيب العاملي الأصيل  ،  وكل من يعرفه  ولو  لاول مرة سيلاحظ  بساطة وانسانية ذلك الانسان الكبير   والعفيف القلب واللسان  الى ابعد  الحدود  في هذه الحيا ة
إضافة إلى أنه صاحب نكتة وبالتالي صابر يبادل والده هذه الأمور المشتركة بينهما والعقلية المنفتحة التي تؤمن بالحوار إلى الوصول للجمع بين الأشياء المشتركة .
 أراد صابر أحد الأيام أن يتمشى قليلا هو ووالده وقصدا منطقة مجاورة لمكان مسكنهما ، وكانت هذه النزهة سيرا على الأقدام وهي المحببة على قلب صابر ويستطيع من خلالها تبادل الأحاديث مع والده .
 سار صابر ووالده في شوارع العاصمة المزدحمة بالسيارات ووسط أصوات الباعة المتنقلين وأصوات أبواق السيارات المنطلقة في كل الإتجاهات فاختلطت هذه الأصوات جميعها لتكون ما يشبه سيمفونية موسيقية صاخبة ، ولكن دون ما يسترو  أو قائد لهذه الاوركسترا    التي  لا تتكون من عازفين  هذه المرة ولكن  الناس العاديين  هم  اركان  هذه  المجموعة الموسيقية    في  قلب  هذه  الحياة   العامة  .
إنتبه صابر وهو في طريقه إلى محل مخصص لبيع الألبسة المستعملة أو ( البالة) كما يطلقون عليها في اللهجة اللبنانية العامية ، فطلب صابر من والده أن يدخلا إلى هذا المحل لمشاهدة ما يحتويه من ألبسة وأحذية مستعملة   وما  الى ذلك   .
دخل صابر إلى ذلك المحل وفجأة تسمرت قدماه ووقف متعجبا وسط دهشة والده ، كانت بانتظار صابر مفاجأة غير متوقعة عندما قال لوالده : انظر ، انظر يا أبي من يوجد داخل المحل .
 كانت مفاجأة بالنسبة لصابر وأمر عادي طبيعي لوالده إذ أن أبو نجيب   الوجيه المعروف في بلدة صابر ووالده كان يشتري من   ذلك  المحل  .
 وفيما علائم الدهشة تبدو على وجه صابر استغرق أبو صابر بالضحك المتواصل حتى خرجت الدموع من عينيه كعادته عندما يضحك كثيرا ، في هذه اللحظة التفت أبو نجيب صوب الباب فرأى أبو صابر وصابر فتقدم منهما وصافحهما ، وكانت دردشة بسيطة لدقائق بعد السؤال عن الصحة والأحوال وبعد ذلك هم أبو نجيب بالإنصراف بعد أن حمل أكياس كثيرة كان قد اشتراها للتو من ذلك المحل ، وألقى التحية وانصرف على أمل اللقاء بأبي صابر وصابر حول فنجان قهوة في منزلة الفخم في إحدى ضواحي العاصمة .
 كان صابر يعتقد في قرارة نفسه أن أبا نجيب الثري الكبير على صعيد بلدته والجوار من غير الممكن أن يلجأ إلى محلات الألبسة المستعملة والأحذية ، وهو القادر على شراء الألبسة والأحذية من أفخم  واهم  دور الازياء المشهورة  والمحلات في العالم بأسره فالرجل مقتدر مادياً وكان صابر يسمع القرويين يقولون ومنذ سنوات طويلة وبلهجة قروية محببة  :  ( أبو نجيب عنده أراضي وأموال لا تأكلها   النيران    )  .
 وفيما استمر تعجب صابر ، هذأ أبو صابر من  روع  ومفاجأة ولده بأن أعلمه أن كل الناس تعرف أن أبا نجيب لا يشتري الثياب والأحذية له إلا من محلات البالة ، وزاد تعجب صابر عندما علم من والده أن أعز ثلاثة أصدقاء لأبي نجيب في بلدتهم هم أصحاب المحلات الثلاث المخصصة لبيع الثياب والأحذية المستعملة   ، وبالتالي   فهو  اهم زبون بالنسبة لهم  لا بل ان   ابو  نجيب  هو  اول  زبون يتم  فتح البالات   له  لكي  ينتقي منها  ما يشاء    ومن ثم  يعمد الى غسلها  ومن ثم كويها    ولبسها امام الناس  التي  تراه دوما  في غاية الاناقة   يوما بعد  يوم  .
تصور صابر بعقل طفولي أن هؤلاء الأشخاص يعيشون ويتمتعون بالنعم الكثير التي وهبها الله تعالى لهم ، وتساءل صابر داخل نفسه ، ولم يعثر على الجواب    .
 مضت على هذه الحادثة سنوات طويلة وكلما تذكر أبو صابر هذه الحادثة ، يضحك ضحكاً شديداً على منظر إبنه صابر عندما تسمر في مكانه لحظة مشاهدته أبو نجيب .
حدثني يوماً صديق يعمل صحافياً عن طرفة حصلت معه مفادها : ” قال صديقي الصحافي ، كنت أنا وخطيبتي في زيارة عائلية في إحدى ضواحي بيروت ، وإذ بخطيبتي تلتفت إلى معطف فرو معروض في أحد محلات الألبسة المستعملة ، فطلبت مني خطيبتي والكلام لا يزال لصديقي ) أن ندخل إلى هذا المحل ونرى كم يريد هذا البائع ثمناً لمعطف الفرو هذا   ؟؟
دخلنا إلى المحل وبعد السلام سألت صاحب المحل عن هذا المعطف وكم يبلغ ثمنه ؟
فرد صاحب المحل الحقيقية أن هذا المعطف كان للبيع قبل نصف ساعة فقط عندما حضرت إحدى السيدات واشترته على أمل أن تعود بعد قليل لتأخذه .
حزنت خطيبتي  والكلام لا يزال لصديقي  الصحفي   لأنها لم تفز بالمعطف فتقدمت من صاحب المحل وقلت له : سأدفع لك أكثر مما دفعته لك السيدة تلك ، فاعتذر الرجل وقال الزبونة التي أخذت هذا المعطف هي أفضل زبونة عندي ، وتقدم من أذني هامساً : إنها زوجة مسؤول كبير في الحكومة ومعظم ملابسها وأحذيتها تقريباً من عندي !!
وأضاف البائع : إنها معظم الأحيان تحضر إلى هنا متنكرة بزي ما وتطلب مني أن أغلق باب المحل لكي تختار ما تريده ، ومن ثم تنصرف من الباب الخلفي للمحل حيث تنتظرها سيارة فارهة الطول وكأن أحد لم ير ولم يسمع !!
 فشرحت لخطيبتي ما جرى ونحن في طريقنا وقلت لها : زوجة المسؤول الحكومي يا عزيزتي أحق منك بهذا المعطف وطبعاً المحتاج تجوز عليه الحسنة ، فلا تزعلي !! “
 هذه قصة صديقي الصحافي وخطيبته ومعطف الفرو .
في كل مرة يتصل صابر هاتفياً بأهله يمازح صابر والده أو بالأحرى صديقه ويذكره بهذه الحادثة عن أبي نجيب ومحل البالة ، فيقول أبو صابر لإبنه : ( يا ولدي الحبيب يجب أن لا تحكم على الناس من خلال طريقة لباسهم فكم من إنسان عاقل وعنده تفكير واع وترى ثيابه رثه ، وكم من جاهل وشرير ويلبس أفخر أنواع الثياب ؟
 فكل إنسان يا ولدي عنده طريقة مختلفة بالتفكير عن بقية الناس وأعطيك مثلا يا صابر أنت وأخوتك قد تكون طريقتك لمعالجة الأمور هي غير طريقة تفكير أخيك الأوسط وتفكيركما معا هو غير الطريقة التي يفكر بها أخوكم الصغير   .
فيثني صابر على الفلسفة المميزة لوالده في هذه الحياة .
كل من يعرف صابر ووالده وكيفية تعاملهما مع بعضهما البعض قد لا يفاجأ للوهلة الأولى ولكن سيلاحظ مدى العلاقة الرائعة والمميزة ومدى الحب والإحترام الذي يكنه صابر لوالده والعكس تماماً .
وهكذا تستمر الحياة مع صابر عمل ودراسة وجهد حثيث وصولاً إلى النجاح بإذن الله تعالى حتى ولو كان على الدوام ينادي والده بإسمه وكسر هذا العرف الذي يكون بين الوالد وإبنه .
                                               على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                        الاربعاء   5     حزيران        2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x