الحب صانع المعجزات
الحب صانع المعجزات
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
جريدة المستقبل – مونتريال
كندا
رقم العدد – 379
الأربعاء 21 نيسان 1999
نازك شابة في مقتبل العمر ومؤدبة الى ابعد الحدود أنهت دراستها الجامعية وأعطاها الله تعالى جمال الخلق والشكل الخارجي وجمال الروح والأخلاق والعفة .
تعرفت على منير ذلك الشاب الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب مثلما يقولون .
كانت نازك تغادر منزلها صباحاً لتتوجه الى الجامعة لتعود عند المساء ، لتجد منير في نفس المكان الذي تركته عند الصباح المكان ذاته يجلس على كرسيه الخشبي بجانب دكان أبو يونس ، الجلسة نفسها ، منير نفسه ، حتى الكرسي نفسها .
مرت الأيام والسنون وأنهت نازك دراستها الجامعية وتخرجت وكانت جداً محظوظة ، عندما وجدت لها عملا في أحد بنوك العاصمة ، وكانت تتوجه في الثامنة صباحاً الى مقر عملها في البنك لتعود عند الثالثة عصراً ، لتسير مشيتها المعهودة المتزنة فيما عيون شبان الحي تلاحقها بالنظرات المتوالية وأحيانا بعض الهمسات ، مما يثير غيظ منير وغضبه ، فيحصل نفس الامر بشكل يومي فيتعارك منير مع الشباب الذين وجهوا كلماتهم الى نازك التي تعتبر وكأنها خط منير الاحمر الذي لا يسمح لاحد ان يتجاوزه .
كانت نازك إضافة الى جمالها الجذاب وأخلاقها الرفيعة تتمتع بروح طيبة وخفة دم يلاحظها كل من يتحدث معها ولو للمرة الأولى .
وفي احد الأمسيات وبينما هي عائدة من عملها لمحت منير وقد هب واقفاً وتقدم نحوها وهي لم تزل في مدخل المبنى الذي تقطن فيه ، واستأذنها بالتحدث معها ولو للحظات ففوجئت بهذا الامر ولكنها استمعت اليه وقالت تفضل ماذا تريد ؟؟
فبادرها منير قائلا : يا آنسة نازك اعتذر لأني أتحدث معك في مدخل المبنى ولكن أريد أن أصارحك بأمر يعذبني ويشغل بالي و… وهنا قاطعته نازك : المفروض يا منير وتبعا للأصول أن لا أتحدث معك في الشارع ، فلماذا لا تزورنا هذه الليلة وتحكي ما عندك ، واختفت بين سلالم المبنى وهي تفكر ماذا يريد منير منها .
كانت نازك بينها وبين نفسها تبدي إعجابها بشخصية منير ، ولكن كل ما تعرفه عنه انه يقطن مع أمه المتقدمة في السن في أحد البيوت في آخر الحي الذي تسكن فيه مع والدها ووالدتها ، فقد كانت نازك وحيدة أهلها لا أخ ولا أخت .
شعر منير في قرارة نفسه بأنه فعل شيئاً عظيماً ، فهو للمرة الأولى يتحدث الى نازك وجهاً لوجه وسمع صوتها بعد أن ظل يطاردها بنظراته لسنوات طويلة ولم يجرؤ أن يعلن ذلك على الملأ ، ربما لأنه ظن بأن نازك الفتاة المتعلمة الجامعية لن تتنازل الى مستوى منير الاجتماعي لتتحدث معه ، وهو المعروف بمشاكله المتعددة شقاوته المعهودة والتي يستطيع أي شخص في الحي أن يحدثك عن عشرات المشاكل التي كان يفتعلها منير مع الأخرين بسبب أو بدون سبب أحياناً كثيرة .
ولكن منير صمت قليلاً وكأنه يحادث نفسه فهو كان تلميذاً جامعياً ناجحاً ومتفوقاً في نفس الوقت ، ولولا ظروف خاصة مرت بعائلته لكان الآن يحمل شهادة جامعية وربما شهادة الدكتوراه ، مثلما كان يحلم دائماً بأن يسبق اسمه لقب الدكتور منير ، دكتور له شأن عظيم يدخل الى قاعة المحاضرات في الجامعة ليجد كل الآذان صاغية له .
وفكر بينه وبين نفسه انه سيزور بيت أهل نازك ماذا سيقول لهم ، وبأي صفة سيقدم نفسه لهم ، وصيته ومشاكله المتعددة تسبق اسمه أقله في جميع منازل الحي وربما المحلة كلها .
كان منير قد توجه الى منزله ولبس أحلى ما عنده تمهيداً لزيارة منزل نازك وأهلها ، فيما أم منير التي تعيش مع ابنها الوحيد أيضاً تنظر وتتأمل ابنها الواقف أمامها بكامل أناقته وهي تكاد لا تصدق ما ترى ، وهي التي ما برحت تفهمه وتقول له أن عليه أن يخرج من الشخصية التي أوجد نفسه فيها ، من جراء عصبيته وأعماله ومشاكله .
المهم أن نازك قالت لأبيها وأمها أن منير سيزورهم اليوم ، ولم تستطع أم نازك أن تتحمل الخبر فانهالت على ابنتها بالأسئلة عن هذه الزيارة ، وأعلمتها نازك بأنها لا تدري أي شيء عن هذا الأمر ، فيما ارتسمت على وجه والد نازك ابتسامة ربما لأن منير يكن الاحترام لأبي نازك ولا يرفض له طلباً ، وربما لسبب واحد وبسيط أن والد منير المرحوم وأبو نازك كانت تربطهما علاقة صداقة ومودة مميزة .
وفيما الأمر يجري بين نازك وأمها بين سؤال وجواب ، طرق الباب وإذا بمنير يقف أمام نازك التي لم تستطع أن تخفي دهشتها من أن الذي يقف أمامها الآن هو نفسه صاحب المشاكل والمتاعب على الدوام .
كان يتمتع بشخصية قوية وجادة وهو ما أن انتهى من تسوية جلسته ، حتى توجه بالحديث الى والد نازك الذي جلس على المقعد المواجه له .
في الحقيقة يا عم أبو نازك ، أنا لي الشرف أن أتقدم بالسؤال بأن أخطب ابنتك نازك ، أنا أعرف أن طلبي هذا قد يبدو غريباً لأن الآنسة نازك أكملت تعليمها الجامعي وهي تعمل بشهادتها الآن ، أما أنا فأنت وحدك أدرى الناس بوضعي من الألف الى الياء .
بدت نازك مندهشة ومذهولة من طلب منير ، فيما بدت أم نازك وقد تغير لون وجهها وبدت كما لو أنها ستغيب عن الوعي من جراء هذه الصدمة بالنسبة لها .
وأخذ والد نازك دفة الحديث بعد أن رشف من فنجان الشاي الذي أمامه ، وتوجه بالحديث إلى منير وقال :
أنت تعرف يا ولدي ما هي العلاقة التي كانت تربطني بالمرحوم والدك ولكن ذلك لا يعطيني الحق أن أضغط على ابنتي فأعطيني عدة أيام لأسألها رأيها بكل صراحة ، وتستطيع أن تزورنا الأسبوع المقبل لمعرفة الجواب على هذا الأمر .
وغادر منير منزل أهل نازك وهو يدعو الى الله تعالى أن يحقق له هذا الأمر ، لأنه كان يعتقد بأنه إذا فاز بنازك زوجة له فإن ليلة القدر تكون قد حلت عليه .
أدركت نازك أن داخل منير انسان مختلف عما يصدر عنه من مشاكل ، وكأنها كانت تعرف من اي معدن هو ، وصارحت والدها بأنها موافقة على الزواج منه بعد أذنه طبعاً ، فيما لم تنبس أم نازك ببنت شفة على غير عادتها في هذه الأمور .
وفي اليوم المحدد حضر منير ولم يصدق أذنيه عندما سمع والد نازك يبارك له ، وما عليه الآن الا أن يستعد للخطوبة وما الى ذلك ولم يعرف نفسه كيف نزل على سلالم المبنى ليتوجه الى والدته ويخبرها بأجمل خبر يمكن ان تسمعه في حياتها .
وبدت والدته مذهولة أيضاً وأيضاً .
نازك الفتاة التي تحمل أعلى الشهادات ويتمنى أي شاب أن يفوز بها ، تقبل بابنها منير زوجاً لها ، .. معقول ؟!
ومرت الأيام وتزوج منير ونازك وأنجبا ولدين وهما يعيشان حياة ملؤها السعادة والحبور ، وكل من كان يعرف نازك كان يسألها عن السر العظيم الذي حوّل منير من أنسان مشاغب ويهوي المشاكل سواء أكان هناك سبب موجب لهذه المشاكل أو لا ، كانوا على الدوام يسألونها عن هذا التحول في حياة زوجها منير ، كانت ترسم على شفتيها ابتسامة جميلة وتجيب ، أنه الحب والحب وحده دون سواه ، فالحب دواء لكل داء” كانت نازك تردد دائماً وأبداً .
فعلا الحب يصنع المعجزات .
على الخير والمحبة والمودة الدائمة والسلام استودعكم الله ولقاؤنا معكم يتواصل من خلال هذا الموقع والى اللقاء القريب ان شاء الله تعالى .
علي ابراهيم طالب
وندسور كندا
للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
FACEBOOK PAGE : ALI IBRAHIM TALEB
الثلثاء 14 أيار 2013
Spread the love