الدكتور رضا والقدر

الدكتور رضا والقدر
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
مجلة الحوادث – لندن
بريطانيا
رسائل الى المحرر
العدد – 2234
الجمعة 27 آب 1999
رضا شاب في الثلاثين من عمره شاب جامعي مجتهد يثني جميع من يعرفه على اجتهاده وأخلاقه العالية وصفاته الحميدة سواء اهله في المنزل أو رفاقه في العمل وزملائه  في الجامعة  ،  على حد  سواء   .
تخرج رضا من الجامعة وحمل صفة طبيب ، ولكن طموح هذا الشاب اكبر من ذلك بكثير ، وكم كانت فرحته كبرى عندما علم ان الجامعة التي يدرس فيها قررت ان ترسله الى بريطانيا للتخصص في اي قسم طبي ليعود الى وطنه جراحاً في القسم الذي يختاره هو .
وفي اليوم المحدد لسفر البعثة التعليمية وكان من ضمن أعضائها رضا ، انهمك في المطار في توديع اهله وأصدقائه  ، واتكل على الله تعالى في إتمام أمره والنجاح في دراسته ليعود الى الوطن الذي احبه حاملاً شهادة الاختصاص ويعمل في اختصاصه   الذي اختاره  .
ومرت الايام ورضا يسهر الليالي ويجد ويتعب وما هي الا عدة   سنوات  تمر حتى كان يجلس في صفوف المتخرجين الحاصلين على شهادة الاختصاص في جراحة الدماغ هذا القسم الذي احبه رضا على الدوام وها هو يحقق حلمه ويعود الى وطنه ويحمل في جعبته شهادة الدكتوراه كجراح ، وفي عقله وقلبه يحمل الكثير من الأشياء والأفكار التي يريد ان يطبقها على ارض الواقع في وطنه .
فرح الاهل والأصدقاء بعودة الدكتور رضا وهذا النجاح الذي ما كان ليحصل عليه لولا اجتهاده وعمله المتواصل المضني في الدرس لكي يحقق هذه النتيجة الواضحة ، والمجهود الكبير للوصول الى مبتغاه .
سارت الأمور مع رضا بشكلها الطبيعي ، وكانت أولى هذه الأخبار السارة بالنسبة له هو ان احد مستشفيات العاصمة قبل به بأن يكون احد الجراحين في طاقم المستشفى الطبي ، وطبعاً فرح الدكتور رضا بهذا التعيين وشعر بأن حياته تأخذ مجراها الطبيعي ، هذا على الرغم من حصوله على شهادة طبية عالية الا ان هذا الأمر لم يؤثر على شخصيته المحببة لا بل ان المقربين من الدكتور رضا لاحظوا انه وبعد حصوله على شهادة الجراحة قد ازداد تواضعاً بحيث لم يتكبر على خلق الله مثلما يفعل البعض عندما يحصلون على درجة علمية معينة . أو مركز مرموق في المجتمع فتصبح نظرتهم الى الناس نظرة فوقية ومتعالية على باقي الخلق الله !
عرف عن الدكتور رضا حبه الشديد لوالديه ، وقد كان فعلاً وقولاً مثالاً للابن البار بوالديه وكان على استعداد لان يلبي كل طلبات أبيه وأمه ، في مقابل أمر واحد كان يعمل جاهداً للحصول عليه وهو دعاء والديه ورضاهما عنه في كل خطوة يخطوها في هذه الحياة .
ظل الدكتور رضا يعيش في منزل أسرته مع والديه وإخوته وأخواته ، ولم يشعر يوما ان مركزه الجديد وعلاقاته العامة مع زملائه وزميلاته من الأطباء يتطلب منه ان ينتقل الى بيت خاص به قبل ان يتزوج على الأقل ، لا بل كان يستقبل زواره في منزل اهله ويصر دائما على تذكير كل من يحضر مجلسه ، انه ما كان ليصل الى مركزه الحالي لولا والده العامل البسيط  ، ودعاء والدته الطاهرة  والحنون .
كانت والدة الدكتور رضا إنسانه في منتهى العطف والحنان على أولادها ، وكان لا يهمها في هذه الحياة الا ان ترى أولادها وقد حققوا أمانيهم وما يصبون اليه ، وطبعاً دون ان تغفل والدهم الذي نذر نفسه في هذه الحياة من اجل سعادة وفرح أولاده .
عقدت والدة رضا العزم على إقناع الدكتور رضا بإيجاد عروس له لكي تفرح منه مثلما كانت تردد على مسامعه دوماً .
ويبدو ان الدكتور رضا كانت تراوده فكرة الزواج وان كان يبدي اعجاباً ملحوظاً بنجاة بنت الجيران التي تسكن في البيت المقابل لمنزل أهل الدكتور .
وفي الواقع ان نجاة كانت فتاة على مستوى عالٍ من الأخلاق وبالتالي لا ينقصها من الجمال ان على صعيد الشكل أو الأخلاق الرفيعة ويبدو ان الدكتور قد عقد العزم على سؤال نجاة اذا كانت تقبل بالزواج منه ، وصارح والدته بالأمر على ان تتكفل بمصارحة البنت والوقوف على رأيها وان كانت تعلم سلفاً بأن نجاة ستوافق على الفور فور سؤالها عن هذا الأمر  لأنها  كانت تعرف  ان  ابنها  عنده شعور معين  بالنسبة لهذه الفتاة  وطبعا  هي  تبادله نفس الشعور  ،  وبالفعل وافقت نجاة وزفت عروسا الى الدكتور رضا بعد ذلك الكلام بأسبوعين ، ووجد الدكتور بأن نجاة هي الانسانة المتفهمة له ولطبيعة عمله الذي كان يضطره لقضاء الساعات الطويلة خارج المنزل ، وبالتالي كانت فرحة نجاة سعادتها لا توصف وهي تعيش احلى لحظات حياتها مع الانسان الذي كانت ترسم صورته في مخيلتها ، وهي تعيش معه في الواقع بصورة الدكتور رضا   ، الانسان  الطيب القلب  كأنسان  والناجح  جدا  في  عمله  .
ومرت الايام ولم يكد يمضي شهر واحد على زواجهما حتى استفاقت نجاة على صوت الهاتف يرن في منتصف احدى الليالي ، لينقل لها خبراً هز كيانها وهو ان الدكتور رضا تعرض لحادث سيارة رهيب وهو في طريقه الى المستشفى لإجراء عملية مستعجلة لمريض كان بأشد الحاجة الى جراحة عاجلة في تلك الساعة المتأخرة من الليل ، فهبّت نجاة من فراشها مذعورة وتوجهت فوراً لتجد زوجها الطبيب وهو بحالة يرثى لها فقد أصيب بكسور متعددة في يديه ورجليه وأماكن متفرقة عديدة من أنحاء جسمه ، ولم تستطع نجاة تحمل هذا المشهد فانهارت على الأرض وتم تقديم الإسعافات الضرورية لها .
وتمّ نقل نجاة الى غرفة اخرى ريثما تستعيد روعها من جراء الصدمة التي تعرضت لها ، فيما كان الدكتور رضا يعالج من الكسور التي أصيب بها وعندما استفاقت نجاة واطمأنت الى حالة زوجها فكرت بالاتصال بأهل زوجها ، وألغت هذه الفكرة عندما فكرت في النتيجة على والده البسيط وأمه الحنونة التي قد لا تستطيع رؤية ولدها وهو في هذه الحالة المروعة على الأقل .
وانتشر الخبر وهب جميع من عرف الطبيب الشاب لزيارته في المستشفى والاطمئنان الى صحته ، ولعل اكثر منظر مؤثر كان ، عندما دخل والد الدكتور ووالدته الى غرفته ووجدا ولدهما وقد غطي بالجفصين في معظم أنحاء جسمه .
بكى والداها  وبكى هو وانهمرت دموع الحاضرين جميعاً لرؤية هذا المشهد المؤثر والحزين في آن .
ومضت الايام وبدأت حالة الدكتور رضا تتحسن تدريجيا ووجد والديه اللذين اصرا على البقاء معه في المستشفى على الرغم من إصراره عليهما ان يرتاحا في المنزل  ولكن دون اي جدوى  وخصوصا  والدته  الحنونة الطاهرة  .
ووجد الى جانبه أيضاً زوجته نجاة التي لازمته على الدوام وكانت لا تذهب الى المنزل الا لكي تغير ثيابها وتعود مسرعة لتظل الى جانبه ، وكان سيل الزائرين لا ينقطع وكان هذا الأمر بمثابة استفتاء للحب الكبير والاحترام الذي يتمتع به الطبيب الشاب من جميع معارفه وأصدقائه وزملائه .
وكان الجميع يدعون له بالشفاء العاجل للعودة الى ممارسة رسالته ، رسالة الطب التي هي بالأساس رسالة انسانية تتلخص بالإخلاص والتفاني والضمير الحر  ، التي  كان  الدكتور   رضا يجمع كل تلك الصفات الانسانية  في شخصه الكريم والمحبب لجميع من عرفه  .
                                               على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
                                   الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                    FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                     السبت  11        أيار      2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x