النظافة السياسية

بقلم علي إبراهيم طالب

مجلة الحوادث – لندن

رسائل إلى المحرر

عدد 1996

3 شباط 1995

عاشت كندا خلال الأسبوع الأول من شهر كانون الأول الحالي حدثاً احتل الصفحات الأولى من الجرائد الكندية ومساحات واسعة في الإعلام الكندي، وتمثل هذا الأمر بالإعلان عن إدخال زعيم المعارضة الكندية لوسيان بوشارد إلى المستشفى وهو من حزب البلوك كويبكواز، حزب مقاطعة كيبك ذات الاتجاه الفرنسي، والتي تحاول جهدها منذ فترة طويلة الانفصا ل عن الاتحاد الفدرالي الكندي. دخول بوشارد إلى أحد المستشفيات في مدينة مونتريال جاء بعد إصابته بنوع من البكتريا مما أدى إلى بتر ساقه اليسرى بعد محاولات حثيثه من فريق الأطباء الذين  يقومون  بعلاجه بالحد من تفشي هذا المرض المفاجئ في باقي انحاء جسده ، وكان خيار الأطباء إما أن يبادروا إلى بتر الساق اليسرى من الجسم أو السماح لهذه البكتريا بالقضاء على الجسم نهائياً مما يؤدي بطبيعة الحال إلى وفاة الشخص.

Lucien Bouchard

المهم مما تقدم ما لاحظته من مزايا وأخلاق سياسية من المقام العالي والمميز من جميع السياسيين الكنديين على اختلاف عقائدهم وتفكيرهم إذ اتفقوا على شيء واحد ومحدد هو ترك خلافاتهم السياسية جانباً والوقوف إلى جانب هذا السياسي وعائلته لكي تمر هذه المحنة التي يمر بها هذا الزعيم على صعيد مقاطعة كيبك وكندا بشكل عام.

ما أجمل وأروع أن يشعر أي شخص أصيب بنكسة ما على جميع الصعد، أن يجد بجانبه أناساً طيبين يحاولون جاهدين قدر الإمكان تخفيف وقع أي معاناة أو أي حالة طارئة من الممكن أن يتعرض لها أي شخص في حياتنا هذه. المراقب للأمور يلاحظ بأنه كان هناك الكثير من الاهتمام بهذا الحدث إن على صعيد الساسة الكنديين وعلى رأسهم الوزير الأول الكندي جان كريتيان إلى أي مواطن عادي ، وتكمن الملاحظة أن هذا الاهتمام جاء بمسؤول سياسي عن مقاطعة كندية تبذل قصارى جهودها للإنفصال عن كندا ومحاولة إنشاء دولة خاصة تتمتع بالاستقلال الذاتي هي دولة كيبك ربما مستقبلاً.

وأصبح من المعروف طبيعة المعركة التي تدور رحاها بين كندا كاتحاد فدرالي ودولة مركزية من مقاطعة كيبك التي يبلغ تعداد سكانها حوالي ستة ملايين ونصف المليون نسمة، واللغة الرئيسية في كيبك هي الفرنسية مع العلم أن اللغة الإنكليزية تحتل المرتبة الأولى في كندا التي يبلغ تعداد سكانها حوالي 27 مليون نسمة بمساحات شاسعة من مساحة أرضها تقدر بحوالي 10 ملايين كيلومتر مربع.

ومنذ اللحظة الأولى التي زار فيها الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول مقاطعة كيبك سنة 1969 ماتزال كلمته المشهورة عالقة في أذهان سكان كيبك وهي مخاطبة لهم (عاشت كيبك حرة) وتطالب كيبك بالاستقلال الكامل عن كندا بسبب ما تراه من استقلالية سياسية وثقافية بالنسبة لمسألة اللغة ومسائل أخرى.

ولا أدري إاذ ما تم هذا الأمر، عنيت مسألة الانفصال، أن نشهد اتحاداً سوفياتيا آخر في قلب أميركا الشمالية ، تتحول على إثره كندا إلى دويلات مستقلة التي كانت أصلاً تتألف من 10 مقاطعات هي بريتش كولومبيا – ألبرتا – ساسكاتشوان – مانيتوبا – أونتاريو – كيبك – نوفاسكوشا – نيو برونزويك – برينس إدوارد أيلاند – نيوفنلاند – إضافة إلى إقليمين هما إقليم يوكون وإقليم نورث وست.

عالم السياسة بشكل عام عالم مليئ بالغموض والمفاجآت على جميع الأصعدة، ولا بد من متابعة التطورات للوقوف على مجريات الأمور.

بين مستقبل كندا كاتحاد فيدرالي مركزي وبين المستقبل بشكل عام، ربما يكون هناك عامل مهم هو الوقت، ومن يعش يرى  !

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x