رحلت بكل هدوء

رحلت بكل هدوء
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور    كندا 
عندما قررت العودة إلى مقاعد الدراسة في منتصف التسعينات من القرن العشرين الماضي كنت ادرك أن صعوبات جّمة ستكون في انتظاري ولا سيما بعد توقف دراستي الجامعية في منتصفها نتيجة للظروف والأوضاع التي كانت تسود الوطن الحبيب لبنان في تلك الفترة الزمنية التي سبقت حضوري إلى بلاد الثلوج والصقيع كندا أوائل العام 1991 المهم في أوائل عام 1995 دخلت إلى احدى الكليات للدراسة وكانت هي ضمن الطاقم التعليمي للقسم الذي اخترت دراسته وهو ( إدارة المطاعم والفنادق ) انها السيدة سميث  كانت تحاضر في مادتي ( العلاقات العامة ) و( خدمة الزبائن ) وهي سيدة من أصل ألماني حضر ابويها المهاجرين إلى هذه لبلاد عام 1940 وولدت هي هنا ولكن كانت على الدوام تتحدث عن والديها واصلها الألماني حيث ارض أجدادها وأهلها .
في أول مرة دخلت إلى قاعة المحاضرات عّرفت عن نفسها وطلبت من كل طالب وطالبة في مدرج الكلية أن يقف ويُعّرف عن نفسه كنا حوالي أربعين طالب وطالبة وكانت لها ذاكرة رهيبة فما أن تقول أسمك أمامها حتى تطبعه في ذاكرتها ولا تنساه أبداً .
تمر الأيام والأسابيع والأشهر سريعة متلاحقة وحياة الدراسة في الكلية هي حياة مليئة بالدروس والمحاضرات والمشاريع التي على الطلاب تنفيذها في أوقاتها المُحدّدة وإلا حرموا من نيل العلامات التي تؤهلهم للنجاح في كل فصل من فصول الدراسة التي تمتد لحوالي الأربعة أشهر متواصلة لكل فصل دراسي .
كانت السيدة سميث صاحبة شخصية وحضور قوي أضف إلى ذلك جمالها وأنوثتها الطاغية وهي كانت تفاخر أمامنا بعمرها الحقيقي دون أي زيارة أو نقصان ولم تكن تتوانى عن إطلاق نكتة أو طرفة بسيطة بين ألفينة والأخرى ،  حتى لا تصيب الطلاب بالملل من المحاضرات التي كانت تلقيها على مسامع الطلاب كانت تتحدث أحياناً عن أمور حياتها الشخصية عن زوجها وأولادها وأمور طريفة تحصل معها فتنتزع الضحكات من الطلاب ولكنها كانت حازمة بكل المقاييس فهي تبدو كالمايسترو الماهر الذي يقود الأمور بكل إنسانية ومهارة مميزة .
لم يكن أي استثناء في صفنا  الدراسي الا وندي فتاة كندية تبدو دائماً سعيدة وتحب الضحك إلى أبعد الحدود قلما شاهدتها سواء داخل الصفوف أو في الممرات وعندما تستمع إلى ضحك متواصل في كافتيريا الكلية تؤكد بما لا يقبل الشك أن وندي تجلس هناك لا محالة .
حضرت في أحد الصباحات الباكرة إلى الكلية كان عليّ أن أكون قبل السابعة صباحاً داخل الصف الدراسي التي ستقوم السيدة سميث  نفسها بإعطائه لنا ، وصلت إلى مدخل الغرفة وجدت وندي جالسة على الارض في مدخل الغرفة وهي متجهمة مازحتها كعادتي ظلت حزينة وخبأت وجهها بكلتا كفيها وبسرعة البرق رفعت رأسها وقالت لي الم تسمع ماذا حدث ؟
ماذا حدث لقد وصلت للتو قالت انظر إلى الورقة المعلقة على اللوحة هناك أسرعت وإذا بي اقرأ ورقة عليها نعي للدكتورة شميت التي فارقت الحياة ليلة اول من أمس على أثر نوبة قلبية حادة .
يا آلهي اول أمس كانت معنا صباحاً في قاعة المحاضرات وذهبت إلى منزلها كالمعتاد بعد ظهر ذلك اليوم واليوم أشاهد ورقة النعي لها .
ذهبنا جميعاً إلى قاعة عرض الموتى كانت السيدة سميث مسجاة في تابوت خشبي وقفنا أمام نعشها بكل خشوع ، شيء واحد ثابت بقي يلازمها تلك الابتسامة المميزة التي سنفتقدها كثيراً من اليوم وصاعداً .
كان الامر  بالغ الصعوبة  بالنسبة لي  فقد كانت معلمتي   ولها الفضل عليي  الم  يقل  الشاعر  في  بلادنا   يوما   :
قم للمعلم   ووفه التبجيلا
كاد  المعلم ان يكون رسولا  .
ماتت السيدة سميث    ، ماتت معلمتي  .
رحمها الله تعالى  .
                                               على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                            الاربعاء  7         أب                2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x