صقيع وعواصف وأحلام مؤجلة

بقلم علي إبراهيم طالب

وندسور- كندا

كانون الثاني 2012


استفاق عند الساعة الخامسة صباحاً كعادته منذ وطأت قدماه أرض هذه الغربة البعيدة منذ ما يزيد قليلاً على العقدين من السنوات العجاف قضاها في بلاد الصقيع والثلوج والأحلام المؤجلة إلى أن يشاء الله تعالى. غادر منزله عند السابعة والنصف صباحاً ولايزال الظلام الدامس يلف المكان والزمان هو الأسبوع الرابع من شهر كانون الثاني من هذا العام الجديد 2012.

ابتسم قليلاً عندما عادت به الذاكرة إلى ليلة رأس السنة للعام 1999 وكم قيل يومها بأن العالم سينتهي لمجرد دخول سنة 2000 لحظتها الأولى وكيف أن أجهزة الحاسوب لن تستطيع قراءة الأصفار يومها، ها نحن في نهاية الشهر الأول من العام 2012 ولم يحصل أي أمر مما توقّعه أو تنبأ بحدوثه  المنجمون وما أكثرهم في عالمنا الحاضر.

كان يومه حافلاً بالمواعيد، عند الساعة الثانية عشرة ظهراً توجه إلى المجمع التجاري الكبير في إحدى أطراف المدينة. أراد أن يمشي قليلاً لأن عليه أن يكون في موعد جديد عند الواحدة ومواعيد أخرى تمتد حتى الساعة الخامسة والنصف مساء في روتين متكرر  وأضحى روتين يومي ممل في كثير من الأيام. كان هذا الروتين يقتله في أغلب الأيام فأحياناً يشعر أن ما فعله بالأمس وما سيفعله اليوم على الأرجح بل من المؤكد أنه سيحصل في الغد بشكل مؤكد.

بالإمس كانت الثلوج الكثيفة تغطي كل الأمكنة عند الثامنة والربع مساءً بدأ تساقط المطر بغزارة واستمر إلى فجر هذا اليوم، وما كان تُغطي الثلوج البيضاء بالأمس أضحى أخضر اللون هذا الصباح.

اليوم هو يوم آخر من عمر غربته القاحلة هذه كان الضباب كثيفاً ويغطي الأمكنة كان عليه الاستعانة بأضواء السيارة للقيادة بشكل جيد وآمن هذا اليوم للوصول إلى الأماكن الكثيرة التي كان عليه زيارتها اليوم وأغلبها مواعيد مختلفة وإن كان أغلبها صحية وطبية متفرقة.

طيلة بعد الظهر تساقطت كميات هائلة من الثلوج غطت كل الأبنية والشوارع والسيارات وبدت حركة السير بطيئة نتيجة تراكم الثلوج ولأن كل البشر هم في حال العجلة من أمرهم على الدوام سجلت عدة حوادث سير في أنحاء متفرقة في كافة أرجاء المدينة على الرغم من أن الإذاعة المحلية بدأت منذ الصباح الباكر بتنبيه السائقين إلى حالة الطرق وتوقع سقوط كميات كبيرة من الثلوج. في ساعات بعد الظهر وبشكل مفاجئ ارتفعت درجات الحرارة بشكل تدريجي مما أدى إلى ذوبان نسبة كبيرة من الثلوج وبدت كل الطرقات وكأنها غرقت في أنهار  جارية من المياه وكان مشهد ملفت للنظر ويدعو إلى التعجب والدهشة. كانت الساعة تشير إلى حوالي السادسة والنصف مساء دخل إلى أحد مقاهي المدينة وحصل على فنجان من القهوة السوداء الخالية من أي سكر أو حليب، جلس في إحدى زوايا المقهى نظر إلى الخارج بدت المدينة كأنها تتجه إلى الهدوء رويداً وربما ساعدت برودة الطقس الكندي المتغير على الدوام الناس بالتوجه إلى منازلها، سأل نفسه كم من البشر مشردين في الشوارع ولا أمكنة تأويهم، سبحان الله أسئلة كثيرة راودت عقله وذاكرته المنهكة والمتعبة على الدوام ،  كم من  الناس المشردين  في  مشارق هذه الارض ومغاربها  لا  يجدون ما يسدوا به  حتى الرمق  .  حمل هذه الاسئلة  والهموم  التي  تلازمه  في طريقة تفكيره  بكل انسان ضعيف ومشرد  ، وغاب  في ازدحام   المدينة  وضوضائها  في انتظار يوم جديد اخر يتمناه   سعيدا وموفقا  لكل بني البشر  في كل مكان  .  الله   كريم ولا ينسى احد من فضله   على الدوام  .

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Anonymous
Anonymous
11 years ago

قلوبنا مشردة تبحث عن وطنها الذي ينهار

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x