عرفته رجل أعمال ناجح جداً,وعنده عقل تجاري غير معقول , ويستطيع أن يضمن نجاح أي مشروع يدخله أو يشارك فيه , وبلغ به الأمر أن مازحني في أحد الجلسات في بداية تعرفي إليه أن أسّر لي ( أحياناً يا رجل لا أعرف ماذا أفعل بكل هذه الأموال الطائلة التي أجنيها) فيكون جوابي على الدوام ( و أما بنعمة ربك فحدّث ) نصيحتي لك دوماً أيها السائل الكريم اجعلها في طريق الخير وليس في طريق آخر.

مرّت السنوات الطويلة بعد معرفتي الأولى به وكنت أسمع أن الأمور سائرة معه على أحسن ما يرام , ولله الحمد وهو ينتقل من نجاح إلى آخر, فحمدت الله  وقلت أمام شخص يعرفه معرفة جيدة بأني أتمنى له دوام التوفيق والنجاح على الدوام.

هل المراهنة رهان على الحياة أم على المال ؟

قد تمر على الأنسان مراحل عديدة ومنوعة في هذه الحياة ويُخضع الله تعالى بني البشر للعديد من المحن والأمتحانات ليرى الباري عزّ وجلّ قدرة الأنسان عامة على تحمل هذه الأمور وبالتالي قدرته على مواجهة الصعاب والآلام في هذه الحياة.

بالعودة إلى رجل الأعمال ذاك , وكنت أعتقد على حسن نية أنه يستطيع مواجهة هذه الحياة متكلاً على خبرة طويلة له في هذه الحياة, ولكني ُصعقت عندما علمت أنه في بداية إدمانه على لعب الميسر وهو يقضي نهاره وليله على حدٍ سواء في أحد كازينوهات المدينة الذي فتح أبوابه منذ سنوات عديدة, وهو لا يستمع إلى أي نصيحة لا من قريب, ولا من بعيد بضرورة الإبتعاد عن هذه الطريق الخطرة التي ما سلكها إنسان عاقل إلا و أحالت حياته إلى جحيم ورعب حقيقيين على كافة الصعد… هذه الحياة الغريبة والعجيبة.إذن أضحى ذلك الإنسان أسير وعبد مطيع لتلك الآفة الخطرة المسماة القمار, وبطبيعة الحال عندما يغيب صاحب العمل عن عمله, ومكان رزقه فإن التأثير الكبير سيقع على الجميع لا محالة, فتراجعت مصالحه وقلّت أرباحه التي كان يتباهى بالنسبة العالية لها أضحى مدمن على الميسر من الدرجة الأولى حتى أن إدارة الكازينو طلبت منه مرات عديدة أن يغادر المكان, ويذهب لتغيير ثيابه على الأقل بعد أن أمضى في أحد المرات أسبوع كامل في نفس الثياب. كل ما كان يفعله هو الذهاب إلى الأوتيل ( الفندق ) الملحق بالكازينو لينام عدة ساعات , ومن ثم يعود إلى نفس الطاولة التي كان ُيصّر على الجلوس عليها لاعتقاده بأن الحظ سيأتيه يوماً ما عبر هذه الطاولة وليس من غيرها..!!

تمر السنين ولم اعد أسمع أي أخبار عنه إلى أن فوجئت به يوماً ما يتقدم مني في إحدى المناسبات الإجتماعية , الحق أقول أني ذهلت للحالة التي أوصل نفسه لها, فهو يشبه كل شيء إلا الكائن البشري العادي, صافحته واحترت هل أسأله عن صحته أو أحواله, وأنا العارف بكل ما حصل معه من جراء تلك العادة والآفة اللعينة المسماة القمار, كنت أتحدث إليه وكل ما صدر منه تلك الأمسية دموع غزيره شاهدتها تنهمر من عينيه وهو ينظر إليّ بأسى وحزن, وانسحب مغادراً القاعة إلى جهة لا أعرفها , وأتمنى ألا تكون الكازينو المكان الذي أفقده كل أمل في هذه الحياة.

علي إبراهيم طالب / وندسور / كندا   آذار 2012

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
3 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Anonymous
Anonymous
12 years ago

هذا هو حال المقامر عفانا الله …وهذه عاقبة عدم القناعة بما قسم الله من ارزاق … شكرًا لك الاستاذ علي كلام رائع من شخص مبدع في كتاباته جزاك الله خيرا 🙂

Anonymous
Anonymous
12 years ago

أعانه الله وأعان كل وحيد رمت به الحياة … وصف تفصيلي لحالة المقامر وكتابه مميزه أستاذنا القدير.

Anonymous
Anonymous
12 years ago

ktir mouhem yali ketbo ali lmafroud lnas tou2ra hek 7alat la2ano lil2asaf ktir 3m n3isha hal2 wlmoukamir byousal lawadi3 la you7sad 3leh ala yb3id sha3bna 3n hek ishya ana bshaj3k tdal tiktob balki l2ajyal yali jayeh bte5oud 3ibra min 5ilal kitabatak min doun ma tjarib altajrbi binafsa.keep going ali

3
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x