هو ومادة الإنشاء

بقلم علي إبراهيم طالب

عادت به الذاكرة سنوات طويلة إلى الوراء, إلى بداية السبعينات من القرن الماضي حيث كان يدرس المرحلة الإبتدائية في إحدى مدارس الضواحي الفقيرة المحيطة بالعاصمة اللبنانية بيروت.في تلك المرحلة كان على عشق غريب و عجيب لمادة الإنشاء العربي, وعلى الرغم أن كل تلاميذ المدرسة بأسرهم  كانوا يكنون الكراهية لأستاذ تلك المادة, لما كان يتميز به من قسوة الشخصية والقلب أيضاً ما انعكس ظلماً وقسوة على كل تلاميذة المدرسة , الذين كانوا يصابون بالخوف والرعب لمجرد ذكر إسم الأستاذ شفيق, الأستاذ البدين الفصير القامة, الأصلع تقريباً , ولكن ما كان يلفت في شخصيىته أنه كان شديد الأناقة وهو يحضر إلى المدرسة كل يوم تقريباً ببدلة مختلفة عن اليوم الآخر, وكان حريص على ارتداء ربطات العنق حتى في أشد أيام الصيف حرارة ولهباً..يذكر هو نفسه أن كل رفاقه في الصف كانوا يتعوذون من الشيطان أثناء حصة “الإنشاء العربي” فيعمدوا إلى شتى الطرق للغياب عن تلك الساعة مما يثير غضب وحنق الأستاذ شفيق  ويبدأ بسمفونيته  المعهودة في عتاب التلامذة وإذا انتقم من تلميذ معين يختم حديثه معه بجملته المشهورة على لسان كل تلامذة المدرسة  بأسرها  ” لماذا لا تريد حضور مادة الإنشاء يا عديم الفهم ” ويغرق طلاب الصف بالضحك على هذه الجملة تحديدا, وعلى شخصية الأستاذ نفسها التي تكاد  لا تخلوا من الفكاهة ولفت الإنتباه لأي شخص يراه حتى للمرة الأولى .

كان الأستاذ شفيق يقف في كل حصة , ويردد مقولته التي أصبحت ما يشبه اللازمة ” موضوع الإنشاء لكي يصبح ناجحاً  اتبعوا الخطوات التالية – البداية – صلب الموضوع- ومن ثم  نهايه الموضوع “.

كان نفسه  يتذكر أن  الأستاذ شفيق كان يردد على مسامع  طلاب الصف أن زميلكم هذا يكتب المواضيع بشكل جميل وعنده جُمل وتعابير مميزة, وكان  يثني على عمله ومجهوده مما يثير غيرة وحسد باقي التلامذة عليه.

يذكر أنه  في الأسبوع  الأخير الذي يسبق الإمتحانات تقدم منه الأستاذ شفيق وعلى مسمع باقي الصف وقال جملة لا يستطيع أن ينساها إلى الأبد ” أنت يا بني ستنجح في حياتك العملية وستصبح إعلامي وصحفي لامع وناجح ” وكتب له ملاحظة مميزة بهذا المعنى على آخر موضوع كتبه في مادة الإنشاء العربي ,حملها هو وطار إلى منزله  فرحاً ليريها إلى والديه الذين بادلاه الفرحة والسعادة نفسها.

لم يكن ذلك الأستاذ المسكين يدري وفي منتصف السبعينات أن حرب  شرسة ومؤامرة غادرة ستضرب ذلك الوطن الصغير ” لبنان ” وتحيله إلى شبه وطن على مدى خمسة عشرة عاماً من القتل والتدمير , والأحزان بدأت عام 1975 وقيل أنها انتهت عام 1990  أقله حسب المصادر الرسمية.

يتذكر هو نفسه هذه الأمور وهو يعاني من تلك الغربة المريرة القاسية التي يعانيها منذ ما يربوا على الواحد والعشرين عاماً , عانى خلالها شتى أصناف العذاب والآلام على كافة الصعد, وأن كان أهمها  غيابه عن أرض الوطن الذي أحبه حتى درجة العشق بتلك الأرض الطيبة الطاهرة.

يعتقد مؤمناً وجازماً أن لكل إنسان نصيب وقدر في هذه الحياة, وهو إنسان مؤمن وقنوع , ويعتقد أن الله تعالى قادر على تغيير الأشياء بأسرها كل لحظة  فأنه  على الدوام  يتمسك  بأمل  ما في هذه  الحياة  ،  لأنه  ما أضيق العيش  لولا  تلك  الفسحة  الصغيرة الباقية  من الأمل  .

على الخير والمحبة  والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء الباري  عز وجل  تمجد اسمه   الكريم  .

علي ابراهيم طالب

وندسور كندا

للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag@hotmail.com

   FACEBOOK PAGE :ALI  IBRAHIM  TALEB     الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك

 18   نيسان    2012

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Anonymous
Anonymous
12 years ago

قرات الحكاية الحزينة والمؤلمة حكاية حيكت بأسلوب أدبي راق ،،، والهدف كان ساطعا كسطوع الشمس،،، هدف تربوي تعليمي بالإيحاء ،،، هو التعاطف والتكافل والعمل الطيب ،،، فما اروع ان تزرع ابتسامة على وجوه الاخرين جراء أساعدك لهم وقضاء حوائجهم ،،، هذا هو الثمن الجزيل لقاء عطاء قليل ،،، مرحى لك ولقلمك وحسن ادائك،،، واشكر لك حسك الانساني والديني والأخلاقي ،،، وأمنياتي لك من القلب ان تكون ايامك كلها مشمسه بالأمل والسعادة مع كل الاحترام والتقدير

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x