صابر ويوم آخر جديد

 بقلم   :  علي  ابراهيم  طالب 
وندسور  كندا
جريدة صدى المشرق
– مونتريال
– رقم العدد 281
– الثلاثاء 23 شباط  2010
استفاق  صابر عند الخامسة فجراً كعادته على مدى الأشهر القلية الماضية من ظرفه الصحي المفاجئ وهو المعروف عنه عدم حبه الكثير للنوم لساعات طويلة فأربع أو خمس ساعات نوم يوميا هو معدله مهما كانت الظروف وهو يحمد الله على ذلك .
كان عليه ان يوصل زوجته الى عملها في احدى المدن القريبة من مكان سكنه ، أدار محرك السيارة كان الطقس بارداً قليلاً قياسا على هذا الوقت من السنة  ، فهذا هو الأسبوع الأخير من شهر أيلول والضباب الكثيف يغطي المكان ويحجب الرؤية والمطلوب منه القيادة بحذر شديد في مثل هذه الحالة . اليوم هو السبت والشوارع خالية نسبيا قياسا على ايام الأسبوع الأخرى حيث تزدحم الشوارع ولا سيما في ساعات الذروة  فالجميع في الشوارع ، الموظفون والعمال والطلاب كل الى مكان عمله أو دراسته في يوم آخر من دورة الحياة المتتالية المتسارعة .
اخترق بسيارته شوارع المدينة والضباب يرافق حركته وعلى مشارف المدينة الأخرى التي يقصدها .. نظر الى الضباب الكثيف الذي يغطي المكان لا يدري لماذا عادت به الذاكرة الى الوطن الحبيب والى بلدته الغالية بنت جبيل الرابضة هناك على ثرى جبل عامل الأشم تجاور فلسطين المحتلة . رجع بذاكرته الى منتصف السبعينات عندما كانوا يقصدون بلدتهم كأطفال لقضاء العطلة الصيفة في جو ريفي بعيد عن صخب وضجيج  العاصمة بيروت وضوضائها .
فجأة وهو يسير بسرعته العادية فإذا بثلاثة غزلان يمرون أمامه على الطريق العام فما كان منه الا التوقف حتى مرورهم في مشوارهم الصباحي المعتاد على ما يبدو وسط الأشجار الكثيفة والعالية التى تغطي المكان والتى زادتها جمالا سحب الضباب المتتابعة بكل روعة . مرت الغزلان من امام ناظريه وكأنها تختال فرحا وسعادة في يوم آخر ولعلها تعلم ان ما من احد يستطيع إيذاءها أو حتى القول لها ( ما احلى الكحل بعينيك ) فكيف اذا كانت عيون غزلان حقيقية هنا تكمن الطامة الكبرى .
 واصل سيره وشعر ان هذا الصباح الباكر مختلف بعض الشئ وسحب الضباب ترافقه عندما يخترقها بسيارته فتترك على زجاج السيارة رذاذها الخفيف الممتع في منظر ظريف وجميل في ان معا . أوصل زوجته الى مكان عملها كانت المسافة تستغرق عشرين دقيقة ، واقفل عائدا الى منزل على ان يعود المشوار نفسه عند الرابعة بعد الظهر بعد الظهر . كان يقود سيارته حوالي السبعين كيلومتر كل يوم في ذلك المشوار اليومي هذا عدا عن القيادة داخل المدينة أي انه يقود حوالي المئة كيلومتر واكثر أحيانا كل يوم من حياته العادية . في طريق عودته الى المنزل مر على احد مقاهي تلك المدينة المجاورة له من اجل فنجان قهوته الصباحية . كان المقهى مزدحما بشكل لافت فاليوم هو السبت والإنسان الغربي يحب ان يعيش حياته كل لحظة بلحظتها ، حمل فنجان قهوته وانتحى جانبا في احد زوايا المقهى نظر أمامه وجد سيدة كندية في عمر  المراهقة  وقد شغلت بطفلتها الرضيعة التي ملأت  المكان بكاء والام مرتبكة فمرة تحمل طفلتها وتمشي بها في أرجاء المقهى ، ومرة ثانية تحاول أعطاءها بعض الحليب علها تسكت ولم تنجح  محاولاتتها  مرارا  وتكرار ا واستمرت الطفلة بالبكاء حتى غادرت الام المكان . على طاولة مجاورة اجتمع اكثر من عشرة أشخاص على طاولة واحدة بين رجال ونساء يتداولون وبصوت مرتفع في حفلة الشواء التي سيقيمونها  بعد ظهر ذلك اليوم   ، فيما انهمك عجوزان آخران في معرفة نتيجة المباراة في كرة السلة التي حصلت ليلة البارحة   .
استعد صابر لمغادرة المقهى والعودة الى المنزل بعد ان يتوقف في عدة محطات لشراء بعض الحاجيات التي يحتاجها وليضاف الى عمر غربته الطويلة المرة يوم اخر  .
يحمد الله كثيرا على نعمة وخيراته التي لا تعد ولا تحصى وانطلق بسيارته عائدا الى المدينة التي يسكن فيها منذ عقدين من الزمن ، ذلك الزمن المؤلم  الذي  اعطاه  وجهه  السوداوي  والمؤلم  على الدوام   ، ولكنه كان  واثق  انه   سينتصر عليه مهما طال ذلك الزمن !
               على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

             علي   ابراهيم   طالب
              وندسور    كندا
            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
          الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك    FACEBOOK PAGE :ALI  IBRAHIM  TALEB
           الثلثاء    16       نيسان   2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x