عابد وظلم بعض البشر

      علي إبراهيم طالب
     وندسور – كندا
    مساحة حوار
 جريدة  :  صدي المشرق
مونتريال – كندا
24   –  2  –  2000
عندما وصل عابد الى هذه البلاد كان يعلم علم اليقين ان الطريق أمامه لن تكون مفروشة بالورود والرياحين  ،   بل كان يدرك مسبقا أن أزمة العمل والبطالة التي تعاني منها كل المجتمعات العالمية قد وصلت أثارها إلى هنا ، ولكن لم يكن أمامه أي خيار آخر فقرر هو وزوجته الهجرة إلى هذه البلاد برفقة أطفالهما الخمسة عسى ولعل يأتي الفرج  لهذه العائلة .
كان عابد يدرك أن وضعه القانوني وأوراق الدخول التي بحوزته لا تخوله أن يتلقى أي مساعدة اجتماعية من الحكومة فلم يكن  أمامه إلا إيجاد أي عمل يسد به رمق العائلة الكبيرة .
كان عابد يغادر منزله في ساعات الصباح الأولى من كل يوم ولا يعود إلا كل مساء يحاول جهده بالحصول على أي عمل وكان الجواب نفسه يأتيه في معظم الأماكن التي يذهب إليها  : ( لا يوجد عندنا أي عمل ) فيما كان يقول له البعض ( نريد خبرة كندية لا تقل عن عشر أو خمس سنوات )  ، ولكن أنى له أن يأتي بتلك الخبرة الكندية في أي عمل وهو لما يكمل أسبوعه الثالث في هذه البلاد   بعد  .
عن طريق الصدفة تعرف عابد على شخص عربي عنده محل تجاري وقبل هذا أن يعطي عابد عنده عملا بأجر قليل وكان على عابد أن يقبل بالعمل لساعات طويلة كل يوم ولكن بأجر قليل   وهو اقل  بكثير من الحد الادنى  للاجور في هذه البلاد   نفسها  .
بدأ عابد عمله عند ذلك الشخص ولاحظ ومنذ اللحظة الأولى لعمله عنده  أنه أمام رجل يضمر كل   الشر والحقد في قلبه  الى كل الناس  بأسرهم  ،  عندما كان  يسأل عابد عن هذا الشخص  ولم يكن يسأل أحد عنه إلا ويأتيه جواب واحد وموحد انتبه من هذا الرجل فإنه نصَاب وكن حذر  في التعامل معه وكان عابد يسمع ذلك ويدرك أنه أمام واقع مرير   ، فأما   الجلوس في المنزل دون عمل أو تحمل هذا الشخص وكل تلك الصفات السيئة التي تلازم اسمه والتعريف عنه اول بوادر تلك السيئات ظهرت عندما عمل عابد لمدة أسبوعين دون أن يقبض أي دولار من صاحب العمل والحجج دائما واهية وغير منطقية  على الاطلاق   .
فمرة ان العمل خفيف هذا الأسبوع ومرة أنه لا يمتلك مالا كافيا ليعطي للعمال أجورهم وعندما كان عابد يصر على صاحب العمل بأن عنده عائلة وتحتاج إلى مصاريف كثيرة كان الأخير يعطيه القليل من المال على وعد منه أن يعطيه كل مستحقاته الأسبوع القادم وهكذا دواليك    حتى  مرت   اسابيع عديدة على هذه الحالة  والامور   تسيء مع عابد  وعائلته من سيء الى اسوأ     ، بغياب وجود اي مال كافي  ليسد به رمق  عائلته الكبيرة تلك  .
شعر عابد أنه في وضع حرج فاما   أن يتابع عمله ويتحمل كل التصرف الغريب لصاحب العمل ، أو أن يترك العمل وينصرف ولكن إلى أين وكل الأبواب  أمامه موصودة ؟
في أحد الأيام تقدم عابد وقال لصاحب المحل أنه بحاجة شديدة لأجرته ليدفع أجرة المنزل وأن عائلته بحاجة لأمور عديدة  وهذا ادنى حقوق العامل من رب العمل  في كل مكان من هذا العالم باسره  ،   ففوجئ بالأخير يثور مثل الوحش الكاسر ليقول له يا أخي لا مال لدي تستطيع أن تنتظر لأسابيع معدودة حتى أحصل على المال ؟!
شعر عابد في تلك اللحظة أن الأرض تدور فيه واستعاذ بالله من الشيطان الرحيم من هذا الأمر وعاد إلى مكانه والغضب الشديد يعتمر قلبه وبينما هو يفكر في أولاده .. ما ذنبهم ؟ وماذا سيفعلون ؟
سمع عابد صوت صاحب المحل وهو يصرخ : من دخل إلى مكتبي ؟ من سرق المال الموجود في درج المكتب ؟ تراكض العمال إلى المكتب وإذا بصاحب المحل يصرخ في وجه عابد   : انت اللص ، أنت السارق   ،اين ذهبت  باموالي  ايها السارق ؟ !!!!
ذهل عابد من الاتهام الموجه له وأقسم بأغلظ الإيمان أنه لم يدخل إلى المكتب قط ، وإذا بصاحب المحل يوجه له كلاما كبيرا وبذيئا وقال له إما أن تعترف بأنك من سرق المال أو  سأقوم بابلاغ الشرطة   بالامر      ،  هيا   اعترف  …..   اعترف ايها السارق  !!!!
ففهم عابد الموضوع وخرج من المحل وهو يردد أمام صاحب المحل إذا كنت تستقوي علي بالشرطة والقانون فإن الله أقوى   مني ومنك  ومن كل الدنيا هذه   وغادر المكان وهو يردد أنا أطلب حقي من الله وليس من عدالة هذه الدنيا !؟
هام  عابد   على وجهه   كل ما  عرفه في ذلك اليوم   انه  وقع  تحت ظلم شديد   ، وأي  ظلم    أقسى من ظلم الانسان  لأخيه الانسان الاخر   في  هذه الحياة التي بدت أقسى مما تصوره   عابد  قبل حضوره الى   بلاد الغرب  المتحضرة  هذه  .
                             على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                               علي   ابراهيم   طالب
                             وندسور    كندا
                           للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
                  الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
   FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                 الاحد    21   نيسان    2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x