بقلم علي إبراهيم طالب

مجلة الحوادث – لندن

عدد 1984

الجمعة 11 تشرين ثاني 1994

(طلب مرافق أحد النواب من الجهات المختصة في مطار بيروت الدولي فتح صالون الشرق لزوجة النائب العائدة من السفر وتبين لاحقاً أن العائد هو خادمة فلبينية تعمل عند هذا النائب)

هذا هو الخبر كما قرأته حرفياً.

هل لبنان الوطن المستقبلي الذي نريده هو وطن موجود فيه عائلات تشتري ماء الجبنة لتبل فيها الخبز قبل أكله!

يشهد الله علىّ ماذا حل بي حين قرأت هذا الخبر، إنه وضع غير معقول.

ما هو سر هذا الوطن لبنان؟

فمن يرى صفحات المجتمع والمناسبات في الصحف والمجلات يظن نفسه في عالم آخر فالشراء الفاحش باد للعيان. هل من المعقول والمقبول أن يظل هناك تناقض واضح وفاضح في المجتمع اللبناني؟

كان الوضع قبل الأحداث يتميز بوجود طبقة وسطى أتت الحرب والمرحلة الحالية حديثاً لنلاحظ بأنه أصبح في لبنان طبقتان متناقضتان تماماً.

–         طبقة فقيرة معدمة تكاد لا تحصل على أبسط مقومات الحياة البشرية من أكل ولباس وما إلى ذلك.

–         وطبقة غنية مثلما يقولون في لبنان (فوق الريح) هل من العدل أن يبقى هذا الأمر على حاله.

هل أصبحت الحياة مقتصرة فقط على بعض الناس دون غيرهم. لا تشاهده إلا عبر وسائل الإعلام ومن النادر جداً أن ترى أي مسؤول بين شعبه يتجول متفقداً أحوالهم وسائلاً عن مطالبهم.

ما هو الداعي لأن يفتح صالون الشرف في مطار بيروت الدولي حتى ولو كانت القادمة زوجة نائب أو وزير أو كان القادم صديق أحد المسؤولين في الدولة؟ أظن أن هذه الأمور قد تجاوزها الزمن ويجب أن تغيب عن الحياة السياسية في لبنان تحديداً. ألم تكف 15 سنة من الحرب لنتعلم ونتعظ مما حصل لنا نحن اللبنانيين بحق بعضنا البعض!

لنتخلص من عقدة الزعامة التقليدية والبكوات واللهاث وراء أمور أكل عليها الدهر وشرب. لنخلع عنا هذا الانقياد الأعمى وراء الأشخاص ولنمشي خلف التعاليم والقيم والأخلاق. كفانا ما حل بنا ولينظر الشخص إلى حاله أين كنا وإلى أين وصلنا؟

لبنان هدا  الوطن الذي كنا نفاخر فيه على الدوام هو بحاجة للتكاتف والتعاضد في سبيل مصلحة هذا الوطن العليا وليس في دعوة للعودة إلى الضمير في كل عمل من أعمالنا وفي أي اتجاه في طريق حياتنا. فليحاسب كل فرد نفسه ويكون القدوة الصالحة في مجتمعه.

يقف الفرد منا الوقت الطويل يومياً ليصفف تسريحة شعره أو للإعتناء بمظهره الخارجي، لنقف أمام مرآة الضمير والحق ولو لمرة واحدة، ونشاهد أنفسنا عسى ولعل أن نحاسب أنفسنا ونرى سبب العلة في داخلنا. فربما نحصل على الدواء وتعود كل الأمور إلى نصابها الطبيعي. الحمد لله لقد سكتت لغة المدافع والقتل، وهذا شيء جداً مهم، ولكن تبقى الدعوة إلى المحافظة على الإنسان في وطني والذي أرهقته الأيام والظروف المحيطة به.

فما يتوافر من أخبار بشأن وطننا الحبيب لبنان يشير إلى غول الغلاء الفاحش الذي يلتهم كل ما يواجهه دون أي رادع أو حسيب. يا رب العزة والجلال أرجع إلى أطفال بلادي الابتسام والفرح.

لكي لا نسمع بأن طفلاً ما نام جائعاً لعدم وجود الطعام أو الحليب.

صرخة من الأعماق، ودعوة للعودة إلى الضمير. هل من مجيب.؟

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x