خاطرة الصباح

خاطرة الصباح
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
مجلة الاتحاد – وندسور
العدد 5 / آذار 2000
المكان : مدينة كندية ، الزمان : 15 شباط 2000 ، الوقت : السابعة صباحا  .
انخفضت درجة الحرارة إلى أدنى مستوياتها في ذلك الصباح من شهر شباط الثلوج والصقيع في هذه البلاد .
بدت المدينة كالطفل الرضيع الذي يتهيأ للاستيقاظ .
الثلج الأبيض الناصع غطى كل شئ تقريباً سطوح الأبنيةوالبيوت والشوارع لبست المدينة رداءها الأبيض فبدت كأنها صبية حلوة وجميلة من بلادي تختال بثوبها الأبيض  الابيض  والجميل   .
   بدت المدينة هادئة على غير عادتها في ذلك الصباح الباكر والقارس   ،  كانت السماء صافية بعض الشيء ولا يعكرها سوى الدخان الكثيف المتصاعد من فوهات المصانع الكثيرة المتناثرة في شتى أنحاء المدينة .
 كانت أضواء الإشارات في الشوارع المزدحمة بالسيارات في تلك الساعة المبكرة من الصباح تتلألأ عاكسة  أضواءها على السيارات وبعض المارة الذين تراكضوا للوصول إلى أعمالهم وهرباً من البرد القارس جداً .
   ذلك الصباح كانت حافلات النقل العام الكبيرة تشق شوارع المدينة جيئة وذهاباً تقل العديد من الركاب الذين كانت اتجاهاتهم تختلف في نواحي المدينة الأربعة .
وحدهم الأطفال والأولاد كانوا غائبين من شوارع المدينة لأن مكانهم الطبيعي هو البيوت الدافئة والنوم الهانئ والبسيط  كعيونهم البريئة المحببة .
  أشارت الساعة الأن إلى السابعة والنصف صباحاً فبدت الشوارع أكثر ازدحاماً من ذي قبل وبدا لون السماء   أ كثر رمادية وهناك من خلف الأفق ظهرت خيوط قليلة من الشمس بلونها الأرجواني واستمر هذا المنظر الجميل لعدة لحظات ثم اختفت الشمس وراء
 الغيوم الكثيفة وربما للإيحاء بأن لا مكان للشمس ونورها في هذا الصباح  البارد  الرمادي   .
  أما على الجانب الأخر من المدينة فقد بدا النهر وكأنه قطعة من الجليد تناثرت إلى قطع كبيرة وصغيرة تسير  بها المياة لتتجمع أحياناً على جانبي النهر وتشكل سداً أمام القطع الأتية من البعيد   .

   كانت أسراب كبيرة من البط تصول وتجول فوق النهر وبدت بطّة وحيدة وقد حطت على قطعة كبيرة من الجليد  ورفعت رأسها إلى الأعلى فبدت وكأنها ملك توج للتو على العرش .
على الجانب الآخر من النهر بدا علم وقد رفع على سارية طويلة فوق برج إحدى ناطحات السحاب والمقابلة وقد تحول هذا العلم إلى أشلاء ممزقة تتقاذفها الرياح يمنة ويسرة ولم يبق من هذا العلم سوى بعض النجوم والخطوط  الحمراء الممزقة    فقط   .
  الساعة تشير الأن إلى التاسعة  ، بدأت الحركة تدب تدريجيا في كل أرجاء المدينة تكاثرت السيارات ومعها باصات وحافلات نقل التلاميذ إلى مدارسهم بألوانها الصفراء وأضوائها الحمراء على جوانبها العليا والتي يحظر أي سائق تجاوزها في حالة إطلاق الأضواء
الحمراء التي تعلن بأن التلاميذ يودون الدخول إلى الباص أو الخروج منه أو أنهم  سيجتازون الطرق فعلى كل السيارات أن تقف وتسمح لهم بذلك .
على الرصيف المحاذي للنهر انهمك البعض بممارسة رياضتهم اليومية سواء بالجري السريع أو المشي بخطوات سريعة متناسقة وقد لبسوا فوق أجسادهم كميات من الألبسة الصوفية والقبعات التي تقيهم من الصقيع ولاسيما من  جهة النهر المتجمد  .
 على الجانب الأخر من النهر انهمك عمال البلدية وموظفو شركة الكهرباء في إصلاح عمود صدمته سيارة مسرعة  كانت تقودها شابة بعمر الورود خلال الليل ، والسبب كالمعتاد شرب كمية كبيرة من الخمر ، فكانت النتيجة إصابة السائقة بجروح خطيرة وتحطم عمود الكهرباء إضافة إلى السيارة التي بدت وكأنها قطعة من الخردة تجمعت حولها   بعض  اعين الفضوليين  من المارة  والمشاة  .
هكذا بدت المدينة في ذلك الصباح مزيجاً هائلاً من البنايات والثلوج ترسم مع بعضها البعض صورة حية للحياة اليومية التي نحياها بأفراحها وأتراحها على أمل أن تشرق شمس المحبة والخير في نفس كل كائن بشري في مسيرة استمرارية الحياة نحو الأفضل على الدوام .
كان يوم  اخر في عمر غربته  المستمرة منذ  سنوات  وسنوات طويلة وشاقة  .
                               على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                               علي   ابراهيم   طالب
                             وندسور    كندا
                           للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                            FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                              الجمعة   3   أيار      2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x