بقلم علي إبراهيم طالب

مجلة الحوادث – لندن

عدد 2013

2 حزيران 1995

تتعدد الأسباب والمشاكل في كل بيت والمتهم دائماً هو التلفزيون. نعم التلفزيون هذا الجهاز الخطير الذي يقتحم منازلنا دون إذن أو طلب.

والأطفال وحدهم الضحايا لأنهم يحاولون دائماً وبعقولهم البريئة وطفولتهم المتحفزة للتعرف إلى كل ما يدور في هذا العالم المتفجر والذي لا أدري إلى أين يتجه!

يقضي الطفل في سنوات عمره الأولى الساعات الطويلة أمام جهاز التلفزيون وتكر أمامهم سبحة الساعات المستمرة من البث وخصوصاً في هذه البلاد بحيث تستمر بعض المحطات التلفزيونية ببث برامجها على مدار الساعة أي بمعدل 24 ساعة يومياً، وكذلك الحال بالنسبة لبعض المحطات العربية. أمام هذا الوضع الخطير جداً بالنسبة للأطفال يوجد سؤال مهم وصعب في نفس الوقت من هو المسؤول عن الوضع: إدارة التلفزيونات؟ الأهل؟ أم المجتمع ككل؟

للإجابة على هذا السؤال وهو سؤال صعب ومعقد في إطار الوصول إلى حل صالح لهذه المعضلة وإذا درسنا هذه المسألة من ناحية سيكولوجية أو نفسية فنلاحظ أن علاقة الطفل بجهاز التلفزيون هي علاقة مؤثرة على كل حركات الطفل وتطال تفكيره وطبيعة علاقاته مع الآخرين لا سيما أن الطفل سيحاول قدر الإمكان تقليد كل ما يشاهده عبر التلفزيون في حياته العادية.

والطفل في حدود العشر سنوات من عمره يصدق كل ما يشاهده ويعتقد بصوابية كل ما يشاهده ويحاول بعقل طفولي بريء أن يحل كل مشهد يراه ونخطئ كثيراً إذا اعتقدنا أن الطفل غير قادر على فهم كل ما يدور أمام الشاشة الصغيرة لا بل ترى بعض الأطفال يتوقعون حدوث أي شيء من خلال مشاهدته وهو ما يحدث فعلاً ويكون هذا الطفل وبعقل طفولي تنبأ مسبقاً بما سيحدث وخصوصاً إذا كان ها الطفل يشاهد برنامجاً يحبه يتعلق بهذا البرنامج بشكل غير عادي وهو أمر يحدث مع أي طفل عن البرنامج التلفزيوني المفضل لديه وسيصله الجواب على الفور. وربما يفكر بعض الناس بأن وجود جهاز التلفزيون هو حتماً وجود مشكلة دائمة مستمرة على الدوام.

والحقيقة إني ألاحظ وبشكل مؤثر طغيان مسألة العنف والقتل والدماء وهو أمر مبالغ فيه سواء على صعيد التلفزيون أو السينما وهو أمر يتعلق بالأرباح المادية البحتة ونلاحظ أن العنف وصل إلى حقل الإعلانات ويستطيع أن شخص ملاحظة هذا الأمر على الشاشة الصغيرة في أي وقت.

وفي واقع الأمر في ظل زحف التلفزيون الرهيب ووجود الصحون الفضائية والتي يستطيع أي شخص عنده جهاز التقاط البث التلفزيوني من متابعة ما يجري في العالم بشكل عام، وهو أمر ربما ترك التأثير على وسائل الإعلام الأخرى فابتعدت الناس عن قراءة الصحف والمجلات والكتب والابتعاد قليلاً عن أجهزة الراديو في عصر الصورة المتحركة والراصدة لكل ما يجري في العالم على مدار الساعة. والطفل بطبعه يستقبل كل شيء بشكل إيجابي وخصوصاً إذا شاهد شيئاً ما على شاشة التلفزيون فإنه وبطبيعة طفولته سيحاول قدر الإمكان تقليد ما شاهده وأذكر في هذا المجار حالة حدثت في لبنان أثناء عرض فيلم (سوبرمان)، وذلك عندما حاول طفل في الخامسة من عمره تقليد هذه الشخصية المزيفة ووقف هذا الطفل على شرفة منزله وهم بالسقوط إلى الشارع محاولاً تقليد سوبرمان ولكن العناية الالهية أنقذت هذا الطفل بواسطة أمه والتي راعها هذا المشهد وتقدمت بكل بطء من خلف هذا الطفل وحملته وأنزلته وبذلك أنقذت حياته من تأثير فيلم أثر على عقله!

وأذكر حادثة ثانية قرأت عنها وذلك سنة 1992 عندما حاول الفتى اللبناني (12 عاما) تقليد منظر شاهده عبر الشاشة الصغيرة وأخذ مسدساً محشواً بالرصاص وأطلق الرصاص على رأسه في غياب ذويه عن المنزل وفي حين استطاعت الأم أن تنقد طفلها ابن الخمس سنوات من القفز عبر النافذة في الحالة الأولى نلاحظ أن الفتى اللبناني أحمد عباس غصن خر صريعاً لأنه كان وحيداً في المنزل وطبعاً عاينت الأجهزة والدوائر الأمنية وأحتل هذا الخبر زوايا لاصحف الداخلية دون أن يكلف أحد من الصحافيين نفسه بالكتابة عن هذا الموضوع على الرغم من أهميته القصوى على كل النشء الصاعد ومستقبله وضرورة إرشاده عبر وسائل الإعلام وتحديداً التلفزيون بدل إضاعة الوقت بعرض أفلام العنف والقتل والجنس!

ووإني ألاحظ أن نسبة عالية من الأهل وبهدف إلهاء الطفل عنهم يعتبرون أن وجود الطفل امام جهاز التلفزيون هو بنسبة الراحة لهم من هذا الطفل وهنا يقع الخطأ الذي قد نقع فيه جميعنا فالكل معرض للخطأ والعصمة لا تكون إلا للأنبياء.

هنا في كندا أثار برنامج تلفزيوني معد للأطفال واسمه (باور رانجرز) أثار هذا البرنامج مشكلة كبيرة في صفوف الأطفال لما يتضمنه من مشاهد عنف وقتل مؤذية للأطفال مما أدى إلى توقف شاشات التلفزة الكندية عن عرض هذا البرنامج. بعد أن وصلت حالات العنف بين الأطفال وخصوصاً في المدارس بحيث شعرت إدارات هذه المدارس في أرجاء كندا بأن العنف المستشري بين الطلاب وخصوصاً الأطفال سببه العنف المستمر في برامج التلفزيون بحيث بدت ملاعب هذه المدارس ساحات عراك مستمرة على الدوام لمحاولة أطفال هذه المدارس تقليد هذا البرنامج وأبطاله في عام 1986، وقد هالني هذا الكم الهائل من البرامج والمسلسلات لاسيما الأميركية وكان الهدف من كل هذه البرامج هو العنف والجنس والقتل، والشيء الغريب بأن توقيت البرامج لم يراع وجود الأطفال في ساعات المساء الأولى بحيث كنت تلاحظ وجود مسلسلات تتضمن العديد من المشاهد المؤذية للطفل في الوقت الذي يكون فيه معظم الأطفال متسمرين أمام جهاز التلفزيون.

وقد بعثت يومها برسالة إلى إحدى المجلات الأسبوعية اللبنانية أناشد فيها القائمين على التلفزيون مراعاة الأصول والقيم رحمة بعقول الأطفال الأبرياء.

ولكن لا حياة لمن تنادي، كان ذلك سنة 1986 فما هي الحال متى عرفنا أن بلد مثل لبنان مساحته أكثر بقليل من عشرة آلاف كيلومتر مربع يوجد فيه أكثر من خمسين محطة تلفزيونية تتبارى بتقديم البرامج العنيفة والمضرة للأطفال.

سواء اكنا هنا أو في لبنان أو أي مكان آخر في العالم يوجد جهاز التلفزيون والضحية دائماً هو هذا الطفل البريء والذي أحاطوه بكل هذا الكم الهائل من المشاهد العنيفة والتي ستؤثر عليه آجلاً أم عاجلاً.

المطلوب ومن أجل كل الأطفال وجود جهاز تلفزيون تربوي بهدف تنمية أحاسيس هولاء الأطفال وهنا أطلقها صرخة تحذير إلى كل الأهل، احذروا من عدو خطير يعيش بينكم وهو التلفزيون والمطلوب الانتباه على الدوام.

قديماً قال جبران أطفالكم ليسوا لكم ، أطفالكم أبناء الحياة.

وأود أن أضيف أنهم أبناء التلفزيون أيضاً فإلى الانتباه لهذا الموضوع الهام والخطير وقبل فوات الأوان ويوم لا تنفع كلمة يا ليتنا !

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x