بين راندي وصابر

بين راندي وصابر
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور –  كندا
مجلة الحوادث – لندن
بريطانيا
رسائل إلى المحرر
الجمعة 26 ت٢ 1999
راندي هو شاب كندي يعمل في نفس الشركة التي يعمل فيها صابر منذ عام 1994 ، كان يبلغ من العمر حوالي الخامسة والثلاثين سنة ، كانت مشكلة راندي تتلخص بأنه يظن نفسه انه انسان مختلف ومميز عن باقي الناس ، وخصوصاً بقية العمال الذين يجتمعون تحت سقف شركة واحدة ، وربما يشاهدون بعضهم البعض يومياً اكثر من مشاهدتهم لأفراد عائلاتهم .
كان راندي فظا وسيء الطباع مع الآخرين ، ولكن الشخص الوحيد ربما في الشركة كلها الذي كان راندي يحسب له حساب هو صابر ، لانه عرف كيف يتعامل مع هكذا أنواع من البشر وكانت معاملة الند للند .
كان صابر إنساناً خلوقاً واستطاع من خلال أخلاقه العالية ، ان يستحوذ على إعجاب واحترام الكنديين له في الشركة وخارجها ، فيكفي انه يحترم كل الناس ، لا يتدخل بشؤون الآخرين ، يقوم بعمله يومياً على أكمل وجه ومن ثم يذهب الى بيته .
كان راندي يتعامل مع بقية موظفي الشركة بنظرة من الفوقية ، أو الإيحاء انه انسان مهم ، وهو ما كان يرفضه صابر على الدوام جملة وتفصيلا ، لا بل انه كان يوجه اللوم الى راندي احيانا مرات عديدة في اليوم دون ان يستطيع الأخير ان ينبس ببنت شفة لانه يعلم مسبقا ان رد صابر عليه سيكون حازما وقاسياً في ان  معا  .
حدث احد الايام ان رئيس قسم الموظفين في تلك الشركة ، استقال من وظيفته في الشركة وذلك لأسباب عائلية ، وبقي مركزه شاغرا لعدة ايام متتالية ، وجميع العمال والموظفين في الشركة ينتظرون على احر من الجمر مجيء شخص اخر لكي يحل مكان الموظف المستقيل . وكم كانت مفاجأة صاعقة للجميع ، عندما عرفوا ان صاحب الحظ السعيد في الحلول بهذا المنصب لم يكن الا راندي نفسه !!!
آثار قرار إدارة الشركة هذا استغراب وانتقاد الكثيرين الذين تحدثوا سرا وعلانية لرفضهم لحدوث هذا الأمر وتعيين شخص يحمل صفات ومزايا راندي في هذا المنصب المهم والحساس ، والذي يتعلق بالحياة اليومية للموظفين والعمال في هذه الشركة التي يربو عدد العمال والموظفين فيها عن خمسة آلاف عامل وموظف !!
لم يكن راندي يعلم ان منصبه الجديد هذا سيولّد حالة الكره الشديد التي يكنها الجميع له ، وبدلا من تصحيح أخطائه الماضية مع الموظفين وفتح صفحة بيضاء وجديدة ازداد إعجابه بنفسه على ما يبدو اكثر بكثير من السابق ، وكان يتحدث مع كل موظف يراجعه بشأن مسألة معينة بشكل لا أخلاقي وغير منطقي ، وبدأت الشكاوى تتراكم امام رئيس مجلس إدارة الشركة ، وراندي بدا انه لا يكترث لاحد فقد أعماه المنصب الجديد عن رؤية الحقيقة واضحة وصريحة امام عينيه ، حتى انه كان يتجاهل عن قصد وبشكل متعمد كل الملاحظات التي كانت توجه اليه من رؤسائه في العمل ، وذلك بالطلب منه ان يتعامل بشكل حضاري مع موظفي الشركة  ، لا يوجد بالتالي هذا الكم الهائل من الموظفين والعمال الذين لا يطيقون حتى رؤية وجهه من الظلم الذي كان يتعامل به مع الآخرين .
يبدو ان الامور اصبحت لا تطاق وطفح كيل الصبر لدى الموظفين ، وكان على إدارة الشركة ان تتصرف بأي أمر لان الامور بدت انها ليست على ما يرام من كل الجوانب .
استمر راندي بعمله هذا على مدى عدة شهور ، وفي احد الايام استدعاه رئيس الشركة لمقابلته وطلب منه ان يتقدم باستقالته لان الشركة قررت الاستغناء عن خدماته وإعطاء خياراً اخر وهو انه يستطيع ان يعود الى عمله السابق مع بقية العمال اذا أراد هو ذلك وأعطاه مهلة للتفكير بهذا الأمر .
خرج راندي من مكتب المدير متجهم الوجه وأول شخص صادفه كان صابر الذي وجه كلامه له قائلا : « لقد حذرتك عدة مرات من ان أعمالك هذه ستؤدي بك الى التهلكة ، وقلت لك مرارا   :  تعامل بإنسانية مع كل البشر ولا تحكم على اي انسان من خلال لباسه أو شكله أو نوعية عمله ، الحياة يا صديقي اخذ ورد ، مد وجزر ، سعادة وشقاء، تابع صابر كلامه ، لقد ظلمت الآخرين ربما البعض تحمّل هذا الأمر ولم يتحمله اناس آخرون ، ما الذي فعلته بنفسك أجبني ؟ » .
اطرق راندي رأسه في الأرض ومضى الى خارج الشركة فيما تابعته عيون جميع العمال والموظفين ، واختفى راندي بين الجموع ليترك الأثر السيء والصيت البشع الذي رافق اسمه الى الأبد .
                                             على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
                                   الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                    FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                       الاثنين  20          أيار      2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x