علمتني الغربة

علمتني الغرية
بقلم علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
مجلة الحوادث – لندن
رسائل الى المحرر
رقم العدد 2089
الجمعة 15 ت٢ 1996
عندما كنت في مرحلة الطفولة وأثناء دراستي الابتدائية كان يلفت نظري كل موضوع ينشر أو يعرض عن حياة الشعوب المنتشرة في ارض الله الواسعة على امتداد هذه المعمورة المترامية الأطراف والتي تشمل شعوباً كثيرة مختلفة في اللون والعرق والجنس والعادات والتقاليد المختلفة .
لذلك كنت تراني أعمد الى شراء الصحف والمجلات وخصوصاً منها التي تعني  بالاستطلاعات  المصورة  والتحقيقات ولا سيما منها مجلة اكن لها كل الاحترام والتقدير هي ( مجلة العربي الكويتية ) التي مازلت احتفظ بمجموعة كبيرة وغنية من أعدادها في منزلنا ببيروت .
 وكنت برغم صغر سني أتوقف عند عبارة كانت تزين هذه المجلة وهي « هدية الكويت الى كل قارئ بالعربية » ، وأحاول قدر الامكان ان افهم كل الجمل والمصطلحات التي كانت تنشر وخاصة الأبحاث العلمية التي تزخر عادة بالكلمات والمصطلحات التي يصعب على من  هم في سني آنذاك فهمها وفك طلاسمها .
المهم مما تقدم أنني كنت ولم أزل بغاية الشوق الى معرفة عادات وتقاليد كل شعب من الشعوب على حدة .
ودارت الايام معي الى ان حضرت الى كندا هذا البلد العجيب والغريب لكثرة ما يحتوي على أجناس وأعراق بشرية مختلفة كل الاختلاف ، وقد لا اكون مزايداً إذا قلت للسادة القراء الأكارم من قارئات وقراء انه من النادر ان تسأل عن اي جنسية من شتى أنحاء العالم لا تجد منها في كندا حتى على صعيد البلدات والقرى  داخل الدولة نفسها ، إيطاليا مثلاً على صعيد المثل لا الحصر .
على سبيل المثال يوجد في مدينة شيكاغو الأميركية وحدها حوالي 7 ملايين إيطالي حسب ما  قرأت  في احدى الصحف الغربية  مؤخراً   .
اما الهجرة اللبنانية والانتشار اللبناني المنتشر بكثافة في كل أنحاء المعمورة مثال أخر على ذلك    ،  وهذا الانتشار  يحتاج  الى  الكثير من   المقالات والحديث الموسع والشامل  لأعطاء هذا الموضوع حقه  في الحديث  والاضاءة عليه  .
المهم مما تقدم انه بحكم وجودي منذ حوالي ست سنوات في كندا وان كان في نفس المدينة الا انه من السهولة بمكان ان تعيش في مجتمع مصغر عن كندا ككل  ،  فتلاحظ التجمعات   الاثنية   فهذا الشارع تتجمع عليه الجالية الايطالية  ، وذاك للصينية  واخر للعرب  وهكذا  دواليك   .
 من الاشياء التي تعلمتها وعرفتها في الغربة تلاحظ مدى الطاعة العمياء التي يبديها مثلاً ما نتعارف على تسميتهم بالعربية « الصينيون » ويسمونهم هنا تسمية ( االاورينتال  ) وهم بمعظمهم سكان فيتنام وكمبوديا ولاوس وبلدان آسيوية اخرى من العرق الأصفر تحديدا   .
يفاجئك بهؤلاء الناس طاعتهم العمياء لمرؤوسيهم في العمل حتى ولو طلب منهم المخاطرة في حياتهم احيانا حفاظاً على أعمالهم أو أنهم يعتبرون ان أوامر الرئيس في العمل أشياء مقدسة ولا يمكن مخالفتها على الإطلاق حتى ولو كانت خاطئة وظاهرة للعيان على انها خطره وخاطئة في نفس الوقت  ، وقد كان لكاتب هذه الكلمات حوارات طويلة معهم حول هذا الموضوع   اختصره  مرة شخص  كان استاذ جامعي في الصين بقوله لي  :  ( يا صديقي  اقول لك الحقيقة  انه  مجرد  وصولنا الى بلد مثل كندا  هو   قمة  السعادة بالنسبة لأي فرد منا    وانا لم ولن افكر بالعودة الى هناك ولو لزيارة واحدة مع ان اهلي وكل اصدقائي لا يزالون هناك  )   !!
لم افاجأ  بقول ذلك الشخص الصيني   فلكل انسان الحق في التعبير عما يجول داخل نفسه الانسانية عامة  .
وعلمتني الغربة أيضاً ان أتعرف على ما يجول  في عقل وقلب الانسان الأفريقي الأسمر  تحت بشرته الداكنة السمراء من  تصرفات  عند حصول اي شيء قد تسبب لهذا الانسان الثورة والهيجان  وخصوصا عندما يتعلق الامر بالتمييز  العنصري الذي اعتبره  من اشد العادات   القبيحة والمقيتة التي قد تواجه اي انسان منا  في  مجتمع  فيه من  الاجناس والاعراق  ما لا يعد ولا يحصى  .
عرفت كيف يتصرف الانسان القادم من اميركا الجنوبية ويذوب كلياً مع المجتمع الغربي الذي يعيش فيه وعنيت بذلك الأشخاص القادمين من الأرجنتين وتشيلي والبرازيل والسلفادور ودول عديدة اخرى .
تعلمت في الغرب أموراً وأشياء عديدة وعرفت أموراً مختلفة عن عادات وتقاليد لشعوب متعددة ومختلفه سواء في اللون أو العرق أو الجنس .
 تعرفت على الانسان البريطاني والطريقة المميزة للتكلم باللغة الإنكليزية عندهم وتعاملت مع اناس إسكتلنديين وعرفت سبب نعتهم بالبخلاء وهم كذلك !!
اما الأسترالي القادم من القارة البعيدة فوجدته أيضاً يختلف عن الجميع بلكنته الإنكليزية المميزة وكأني بهذا الانسان الأسترالي القادم من تلك الجزيرة المترامية الأطراف البعيدة يقول في قرارة نفسه ما يجري في هذا العالم لا دخل لي به اي بمعنى أصح لا ناقة لي ولا جمل !!
  وعلى صعيد كندا افضل وقت لكي يتعرف المرء على كل عادات الشعوب وتقاليد على مختلف مشاربها واختلافاتها على كل الصعد ، هو منتصف شهر حزيران من كل عام بحيث يجري تخصيص نهاية أسبوعين على مدى ثلاثة ايام الجمعة السبت والأحد من اول اسبوع وكذلك في الأسبوع الثاني وتقدم كل جالية ما تتميز به من ثقافة وفنون ورقص وكل ما يوحي الى هذا البلد أو ذاك ، وتستمر هذه الاحتفالات التي يطلقون عليها اسم ( مهرجان الامم ) الى الأول من تموز من كل عام وهو تاريخ العيد الوطني لكندا  التي احتفلت كندا في اول تموز الماضي بمرور 128 سنة على إنشائها كدولة مستقلة ولكن ضمن رعاية العرش الملكي البريطاني كما يعرف الجميع وكعضو ضمن كتلة الكومنولث التي تضم حوالي 38 دولة والتي هي أساسا  تحت الوصاية البريطانية حتى يومنا هذا اذا جاز التعبير !
التعارف والتقارب بين الشعوب والحضارات المختلفة أمر رائع وجيد ويجعل الانسان على علم ومعرفة بثقافات الشعوب على اختلافها ، يقول الباري تعالى في القرآن الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم { انا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، ان أكرمكم عند الله اتقاكم } صدق الله العظيم     .
نعم ، انها الحياة !!
                                             على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                        الخميس    6    حزيران        2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x