الإعلام والصحافة مهنة البحث عن المتاعب

بقلم : علي إبراهيم طالب

جريدة المرآة
– مونتريال  كندا
رقم العدد – 26 (307)
الأربعاء 2 نيسان _ أبريل
1997
سألت نفسي مراراً وتكراراً : هل يشعر الإعلامي أو الصحفي بالراحة ، مثل باقي الناس ؟
وطبعاً كان يأتيني   الجواب ،   لا  .
الصحفي في تعريفي إنسان مستيقظ الأفكار على الدوام في حياته اليومية وفي مأكله وربما حتى في النوم .
وكم من فكرة جميلة خطرت على صاحبها في عز النوم وهم قائما ليسجلها على ورقة وقلم هي رفيقة درب الصحفي حتى في غرف النوم .
 أخال الصحفي يعمل ويفكر دوما حتى ولو كان في إجازة أو عطلة متفرغاً لإعطاء نفسه القليل من الراحة من عناء العمل الشاق في تقصي الحقيقة ولا شيء آخر غير الحقيقة   ، وهذه  الاخيرة يجب ان تكون  مطلب الصحفي الاولى والاخيرة مهما كانت الظروف   والصعاب  .
 في العام 1988 كنت لا أزال في الوطن الحبيب لبنان ، عندما أخبرتني صديقة صحفية أكن لها كل الإحرام والمودة قالت  لي  :
” أتمنى من الله أن أحظى بزوج صحفي أيضاً ليقدر أن يفهم طبيعة عملي  هذا  والضغط المتواصل والشديد الذي يشعر به العاملون في الإعلام “. ولا سيما في السلطة الرابعة  –  الصحافة كما نطلق عليها في الوطن المميز لبنان  .
ودارت الأيام دورتها والتقيت بهذه الصديقة الصحفية وأخبرتني بأنها ستزف لي خبر سيفرحني جداً فظننت للوهلة الأولى أنها تسعى إلى سبق صحفي مميز أو لعلها نفذته على الأرجح ، وهي السباقة في هذا المضمار والجميع يشهد لها بذلك فقلت :
” سبق صحفي مثير ام ماذا “؟ ؟
فأجابت  :  لا يا رجل إنه سبق صحفي من نوع آخر ، سبق صحفي على صعيد القلب ، وأخبرتني أن أحد زملائها الصحفيين قد تقدم لخطبتها تمهيدا للزواج منها ” .
 أفرحني جداً هذا الخبر فقد كنت أتمنى لهذه الإنسانة كل الخير ولاسيما أنها كانت تتمتع بروح إنسانية عالية وطريقة مميزة ومثالية في التعاطي مع كافة أنواع البشر وعقولهم وتفكيرهم المختلف .
 وجاء الخطيب إلى منزل صديقتي الصحفية والتقى أهلها وتم التفاهم على كل الأمور مع الأهل من مهر ومنزل إلى ما هنالك وتم تحديد تاريخ محدد للزفاف وأخذت صديقتي إجازة من العمل تمهيدا للتحضير للعرس ، وجاء اليوم السعيد .
وذهبنا إلى حفلة الزفاف وكانت العروس وعريسها يتألقان وسط باقات الزهور الملونة وحضور الأهل والأصدقاء وزملائها من الإعلاميين ، وتمنى الجميع للعروسين حياة هانئة تظللها رايات الحب والوئام والسعادة .
عقب حفلة الزواج بأسابيع معدودة قابلت الصديقة الصحفية في مناسبة اجتماعية كانت تقوم بتغطيتها صحافيا فسلمت عليها وسألتها عن أحوالها وأمورها وطبعا عن زواجها وكيف تسير الأمور معها .
فأخبرتني أنها سعيدة جداً بزوجها وبيتها ولكنها أخبرتني أن زوجها طلب منها أن تتوقف عن العمل وأن تتفرغ نهائيا للعمل في المنزل ، وهذا الموضوع أحدث نوع من الخلاف بينهما وسألتني رأيي بالموضوع فقلت لها : الحقيقة أني فوجئت بهذا الأمر لأنني كنت أعتقد أن الأمور تسير على ما يرام وأن زوجك يعرف طبيعة عملك وهو صحفي أيضاً ، وتمنيت عليها أن تدرس الامور وتتأنى في أي قرار يتعلق بزواجها وبيتها حفاظا على سعادتها وهي لما يمضي على زواجها أسابيع معدودة ، وودعتها على أمل أن تأخذ الامور بكل موضوعية وحكمة .
 ودارت الأيام دورتها ووجدتني يوما أتصفح كعادتي جريدة يومية ففوجئت بخبر يفيد بطلاق صديقتي الصحفية من زوجها ، وللحال صعقت لهذا الخبر ، ولم أكن أتصور أن الأمور ستصل إلى هذه النهاية وبهذا الشكل .
 وتشاء الصدف أن تجمعني مع الصديقة الصحفية مناسبة اجتماعية ، وقد كنت أتحدث مع أحد الأشخاص عندما شعرت أن أحدا يربت على كتفي ، فالتفت فإذا هي وللحال راعني ما شاهدت فقد بدت لي أنها فقدت نصف وزنها وبدا الشحوب على وجهها والقلق في نظراتها .
 فجلسنا جانبا وحدثتني عما حصل معها بالضبط وكيف أن زوجها أرغمها على ترك العمل وشعرت أن حياتها المهنية انتهت في لحظات وشرحت لزوجها أن عملها لن يؤثر على بيتها ومتطلبات المنزل فلم يوافق وحصل ما حصل .
 ضحكت  ضحكة خفيفة  وقالت   لي وكأنها تشكو لي قسوة الحياة هل يرتاح الصحفي ويشعر بالراحة مثل الآخرين ؟ ؟
فقلت لها أنا لست بصحافي ولكن الصحافة هي مهنة ليست ككل المهن فأي شخص عادي يمتد عمله يوميا من ثماني ساعات إلى عشر ساعات ، إلا الصحافي والإعلامي فحياته كلها عمل ونومه وراحته وإجازته كلها عمل بعمل .
الاسماك لا تستطيع أن تعيش دون ماء   ، وكذلك الصحفي لا حياة له دون الكلمة .
وودعتها على أمل اللقاء ثانية وشعرت أن في عينيها تصميم وإرادة لمتابعة مشوارها مع الحياة ومع مهنة البحث عن المتاعب التي أختارتها عن سابق تصور وتصميم  وها هي  تضحي  بزواجها من أجل مهنة صعبة  وكأنها  تصر  بالبحث عن المتاعب  الى ما لا نهاية  .
                                            على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                          الاحد  9     حزيران        2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Anonymous
Anonymous
10 years ago

اسلوب جميل وسلس ، وفقكم الله استاذ علي ابراهيم طالب .

1
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x