ديما

بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور – كندا
 
عندما حضرت ديما الى  بلاد الغرب هذه حملت معها في حقيبة ملابسها الطيبة والمحبة التي تربت عليها في منزل والديها حيث أجواء الحب والمودة والتفاهم بين جميع أفراد الأسرة مجتمعة دون اي استثناء يُذكر .
المفترض انها حضرت الى هنا لتقترن بخطيبها الذي يعيش في هذه البلاد منذ سنوات عديدة والذي ذهب الى وطنه الأم من اجل الزواج وتّعرف على ديما الصبية الشابة التي تشع جمالاً وجاذبية  ، وشاءت الظّروف الخاصة ان تقبل بهذا الشاب القادم من أقاصي الارض للإقتران بفتاة من وطنه ، وهكذا حصل فتم عقد قرآنها على ذلك الشاب الذي عاد ثانية الى مكان عمله ولم يكد يمضي عدة اشهر حتى كانت ديما في بلد تواجد زوجها المستقبلي .
منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدمي ديما ارض هذه البلاد شعرت بالوحدة والغربة عن والديها وعن ارض الوطن الحب الذي احّبته الى ابعد الدرجات ، ولكن ماذا تفعل هكذا هو نصيبها وهذه هي الحياة الأمر الطبيعي والعادي لكل فتاة ان تتزوج وتستقر حياتها مع الشخص الذي اختارها أو في بعض الحالات التي تختاره الفتاة نفسها وان كانت الحالة الأولى هي السائدة في مجتمعاتنا على صعيد الوطن الام عامة .
شعرت ديما بالغربة منذ اللحظات الأولى ولم تجد من زوجها اي انتباه للموضوع فقد كان اهتمامه الأول والأخير في هذه الحياة هو العمل وجمع المال فقط دون غيره .
حاولت ديما في كثير من المرات ان تلفت انتباه زوجها الى ضرورة الإلتفات لها قليلاً في غمرة انشغاله بجمع الأموال والعمل المتواصل لساعات طويلة دون اي راحة أو انتباه حتى لصحته نفسه ، ولكن كانت كل محاولات ديما تبؤ بالفشل امام إصرار زوجها الرهيب على عدم إضاعة أية فرصة لجمع المزيد من الأموال التي كانت تزداد يوماً بعد يوم في حسابه المصرفي دون ان تعلم ديما يوماً عن طبيعة عمل زوجها وهو ما حاول يوماً ان يتحدث مع زوجته وشريكة حياته عن أعماله وأمور الخاصة الأخرى .
انجبت ديما طفلها  الاول والثاني والثالث وكانت تأمل في ان يعزز حضور الطفل الجديد عودة للحرارة الأسرية بينها وبين زوجها ولكن يبدو ان الزوج آخر ما يهتم به هو زوجته والأولاد وقد وصل به الاستهتار  والبخل الشديد  انه اصبح يُقّصر في تقديم المال لزوجته لكي تتدبر أمورها وأمور بيتها وأولادها .
لم تعد ديما تحتمل تلك المعاملة من زوجها في لحظة غضب وتحامل على زوجها وتصرفاته الغريبة  والذي بدا انه نسي او تناسى  في غمرة  لهاثه المحموم وراء المادة والاموال   ان عنده زوجة واولاد  وهؤلاء يريدون  الحد الادنى من الرعاية والسؤال   .
في احدى لحظات الغضب الشديد الذي انتاب  ديما  طلبت منه الطلاق وإذا بها تفاجئ به يوماً يحمل لها ورقة الطلاق وشعرت في تلك اللحظات انها على وشك الانهيار فلم تكن في أسوأ الحالات تتصور ان زوجها سيتخلى عنها بهذه الطريقة لانها أرادت لفت نظره الى ضرورة إيلاء شؤون عائلته بعض الاهتمام وهي من واجبات كل أب ورب أسرة .
تعيش ديما الآن مع أولادها وتعطي كل وقتها لهم بينما زوجها السابق في سباق مستمر مع الزمن للحصول على المزيد من الأموال الكثيرة ولكنه نسي في غمرة الزمن انه خسر عائلته وخسر نفسه ببخله الشديد الذي أمسى مرض رهيب يحمله .
اكثر  واشد المأسي  ايلاما وقسوة   عندما يعتبر اي شخص انه ربح كل هذه الدنيا  واموالها   وما فيها من  متاع  وامور  جذابة  ، ولكنه  خسر   اهم الاشياء واكثرها قداسة  وهي  النفس   وعدم الالتفات الى العائلة   والاولاد   في سباق  محموم ولا ينتهي  مع المادة  التي  تعتبر من الامور المهمة في هذه الحياة ولكن  لا تكون على حساب سعادة اناس   تشارك معهم المرء   هذه الحياة بكل حلوها ومرها  وفجاة يقرر  احد ما  انه  يستطيع التخلي  عنهم بشكل فجائي  من اجل  سراب  المادة  التي لا تساوي شيء امام  انسانية  الانسان  التي تعتبر  اغلى من كل جواهر  واموال هذه الدنيا  قاطبة  .
 
 
 
 
 
                                            على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

 
 
 
 
                                              علي   ابراهيم   طالب
 
 
 
                                                وندسور    كندا
 
 
 
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
 
 
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
 
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
 
 
 
 
 
 
                                         الاحد  23       حزيران        2013
 
 
 
 
 
 
 
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x