بقلم علي إبراهيم طالب

جلست السيدات الأربعة حول طاولة مستديرة في أحد المقاهي التي تقع وسط المدينة على الرغم من أن الوقت كان في ساعات الصباح الأولى إلا أنهن بدين في كامل أناقتهن ولباسهم الرسمي الكامل.

كانت جلسة عادية والأحاديث نسائية عادية قد  تسمعها في أي مكان من هذا العالم المترامي الأطراف، فناجين القهوة كانت تنتشر على تلك الطاولة وتناثرت بعض قطع الحلوى هنا وهناك، بدت الأحاديث عادية عن الحياة، والثياب، ودور الأزياء وأحاديث بدت أكثر من عادية. فجأة ودون أي سابق إنذار بدأت إحدى السيدات بالبكاء بشكل مفاجئ أثار هذا الأمر دهشة باقي السيدات اللواتي سألن تلك السيدة عن سبب بكائها المفاجئ بعد أن كانت وقبل لحظات قليلة تشارك في الحديث وتبتسم وتضحك أحياناً كثيرة. قالت وهي تمسح الدموع من عينيها أنا سيدة وحيدة في هذه الحياة. لقد تركني ومضى، منذ رحيله عن هذه الدنيا وأنا أعيش في فراغ رهيب وقاتل. كان يملآ كل حياتي، لقد نذرت نفسي من أجله. وتابعت تلك السيدة حديثها المليء بالأحزان والاشجان الحزينة. كنا نقضي كل الأوقات معاً ، آه كم كنا نمشي بمحاذاة البحيرة وفي كل الفصول تقريباً كنا لا نهتم لدرجة حرارة الطقس في الأيام الحارة كنا نمشي ونمضي وقتنا بكل سعادة وهناء، وحتى أثناء برودة الطقس وتساقط الثلوج وانخفاض معدلات درجات الحرارة إلى درجات منخفضة

الانتقال إلى العالم الآخر

وباردة، كنا نقضي الأوقات الجميلة والمميزة معاً. يا آلهي كان كل شيء حلو وجميل في حياتي. أستطيع أن أقول أنه كان كل حياتي.

في هذه الأثناء توالى سقوط الدموع من عيون السيدات الجالسات حول الطاولة وبدا الأمر كما لو أنه فيلم سينمائي تتخلله مشاهد الحزن والألم إلى أبعد الحدود. تابعت تلك السيدة حديثها الحزين والشجي عن (حبيبها الفقيد) و(حبها الأول والأخير في هذه الحياة) ولم تترك كلمة جميلة ومعبّرة إلا وأطلقتها على حبيبها المرحوم.

تابعت تلك السيدة حديثها المؤثر على مسامع الثلاث سيدات الحاضرات وأردفت : أعلم أنه كان شديد الصمت ولا يطب شيء محدد وكنت على استعداد لأن أفعل أي شيء يجعله سعيداً على الدوام.

إذا مرض أحمله دائماً إلى أقرب مستشفى متخصص، وأذهب به إلى صالون حلاقة خصوصي أيضاً، وكان هو يبادلني بدوره الوفاء أتركه في المنزل وحيداً أغلب الأوقات وعندما أعود كان يبدو في غاية الشوق لرؤيتي. يا آلهي ما أصعب هذه الحياة من دونه، منذ رحيله المفاجئ لم أشاهد أي ابتسامه وترتسم على ثغري!

في هذه الأثناء بادرت إحدى الموجودات على نفس الطاولة يا سيدتي لقد أوجعت قلوبنا ، متى توفي زوجك العزيز هذا؟

زوجي العزيز! أجابت تلك السيدة أنا كنت أتحدث عن كلبي الوفي (ريكس) الذي توفي العام الماضي!

ما ان انتهت تلك السيدة من قول كلمتها الأخيرة حتى غرق الجميع في نوبة ضحك صاخبة ترددت أرجائها في كل أنحاء المقهى وسمعها الجميع إلا الراحل المرحوم المنتقل إلى دنيا أخرى.

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x