إلى بلدتي بنت جبيل

إلى بلدتي بنت جبيل
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور    كندا
مجلة الحوادث    لندن
رسائل إلى المحرر
رقم العدد    2383
الجمعة / 5 / تموز / 2002
 عندما تقسو عليك الحياة وتعاندك على الدوام ولا سيما في  غربتنا القاسية هذه لا بد للمرء منا من الوقوف للحظات قليلة مع نفسه تكون لحظات تأمل ، وترقب ، وربما صلاة مع النفس للباري تعالى ، والذي بيده الأمر والنهي في كل أمورنا المصيرية .
عندما تتراكم كل هذه الأمور أمامي ، يبدأ شريط الذكريات الحلوة في مخيلتي وذاكرتي المتعبة والمنهكة ، أتذكر الوطن الحبيب لبنان الذي يعيش معي على الدوام في قلبي وعقلي وتفكيري المتواصل .
منذ وطأت قدماي هذا المغترب الكندي في السادس عشر من شهر آذار من العام 1991 ولا يزال ذلك الشعور نفسه يلازمني عن الغربة نفسها والشوق إلى الوطن بكل ما تحمله كلمة الشوق من معانٍ سامية وخالدة على كافة الصعد .
كلما فكرت في موضوع الغربة ووجودنا في هذه البلاد تتراقص أمامي المقولة الشهيرة الشرق شرق والغرب الغرب ولن يلتقيا .
يتضاعف الشوق والحنين عندما أتذكر بلدتي الحبيبة بنت جبيل الرابضة في الجنوب اللبناني المحرر والبطل والواقعة تماما على الحدود مع فلسطين المحتلة .
بنت جبيل تلك والتي لم ترها عيناي منذ العام 1976 ، كم أنا بغاية الشوق لرؤية وجهك الحبيب ولا سيما بعد التحرير المبارك والعزيز على قلب كل أنسان حر وشريف ومقاوم للظلم في هذه الحياة .
مشتاق لك أنا أيتها الغالية وشوقي هو شوق الحبيب لرؤية حبيبته بعد طول غياب وبعد صبر طويل وشاق .
علني أطير في هذه اللحظات والتي أخط بها هذه الكلمات وبلمح البصر أجد نفسي على ترابك الغالي لألثم هذا التراب الطاهر والمقدس ولأقبل حجارة شوارعك وبيوتك  وأشجارك والأهم من ذلك كله أبناؤك الأحرار الصامدون والذين عانوا الظلم والقهر والاحتلال الصهيوني الغادر والبغيض ولكن كان لا بد للحق من أن ينتصر وتعلو رايات النصر المبين بفضل سواعد المجاهدين الأبطال الذين أذاقوا العدو الصهيوني دروساً لن ينساه مهما طالت السنوات  والزمان .
ما أذكره عن بلدتي الحبيبة يكاد يكون القليل لأني عندما غادرتها كان عمري يومها حوالي أحد عشر عاما وكان ذلك في صيف حار ودموي من العام    1976   هذا النهار لا استطيع   نسيانه  ما حييت   والى الابد   ومهما حصل  وجرى  ،
حيث عمدت قوات الاحتلال الصهيوني وعملاؤها يومها على قصف سوق الخميس من البلدة وهذا السوق الأسبوع كان ولم يزل حتى يومنا هذا يجمع الآلاف من أبناء بنت جبيل والقرى والبلدات الذين يفدون إلى بنت جبيل للبيع والشراء على مدى النهار من شروق الشمس وحتى غروبها ، وأدى ذلك العدوان الهمجي يومها إلى استشهاد العشرات من المواطنين الأبرياء ومنهم النساء والشيوخ والأطفال وجرح من جراء ذلك العمل المجرم الجبان العشرات من المواطنين أعرف منهم أشخاصاً لا يزالوا  يعانون من جراء إصابتهم البليغة ذلك الخميس الأسود في سجل العدو الصهيوني الغادر وعملائه الخونة ، وبعد مضي خمسة وعشرين عاماً على تلك المجزرة البربرية لا يزال الأجرام والوحشية هي الصفة الملازمة والأبدية للعدو الصهيوني .
عندما كنت طفلاً كان المرحوم والدي ( طيب الله ثراه ) يصطحبني معه لنتمشى في طرقات البلدة وحاراتها ويعرفني على الاشخاص والبيوت على الرغم من صغر سني  يومها   الا ان اشياء كثيرة علقت في ذاكرتي  من تلك الايام   الجميلة  التي  كنت اسعد فيها  برفقة الوالد الحبيب الراحل  في زياراته   للاهل والاصدقاء  كلما سمحت له الفرصة  ذلك  .
وبدأت الاعتداءات  الصهيونية على الجنوب عامة وعلى منطقة بنت جبيل  تحديدا   فكانت الاعتداءات   والقصف  بالصواريخ والقنابل  على منازل الامنين   والمدنين   العزل الا من  عشق تلك الارض  وحبها  الذي لا يوصف   ابدا  .

اضطررنا كغيرنا من آلاف أبناء المنطقة لمغادرتها عقب ما حصل في البلدة العام 1976 وغادرت البلدة مع أهلي وظلت تلك المناظر والصور عن بلدتي الحبيبة مطبوعة وقابعة في ذاكرتي على رغم مرور السنين الطويلة والقاسية .
غادرنا بنت جبيل سنة 1976 وحصل الاجتياح الصهيوني في العام 1978 الذي اسموه عملية الليطاني وتم احتلال بنت جبيل من قبل العدو الصهيوني وعملائه واستمرت الاعتداءات وجاء الاجتياح الصهيوني الغادر في 6 حزيران 1982 الذي وصل حتى قلب العروبة النابض بيروت ومنذ ذلك الوقت وعلى رغم التحرير العظيم والنصر المؤزر الذي حققته سواعد المقاومين الأبطال ولا سيما مجاهدي وثوار المقاومة الإسلامية البواسل الا أن الظروف منعتني من زيارة بلدتي الحبيبة المحررة على الرغم من مرور 25 عاماً  لعدم زيارتي لها ، وكنت أقول بيني وبين نفسي قبل أن تتحرر بنت جبيل والجنوب الحبيب ، أمنيتي في هذه الحياة أن ارى بلدتي وقد تحررت من رجس الاحتلال الصهيوني الغادر لاعود واعاود الكرة ثانية وأتمشى مع والدي الحبيب في أزقة وطرقات البلدة لأتعرف عليها ملياً كرجل هذه المرة وليس كطفل مثل المرات السابقة منذ ربع قرن من الزمن .
ولكن أبت الحياة أن تحقق لي هذه الأمنية البسيطة واختطف الموت الصاعق والدي الحبيب الراحل بعد ذبحة قلبية مفاجئة ،  حرمتني من   الشخص الاحب الى قلبي   منذ ولادتي  وحتى اخر يوم من حياتي  هذه   .
حدث هذا الأمر في منتصف الشهر الثاني من العام 1998   وتحديدا  في  18  شباط   من ذلك العام  الحزين والاليم بالنسبة لي ولعموم افراد اسرتي   جميعهم  .  وحتى هذه اللحظات لم أقدر أن أستوعب تلك الفاجعة التي ضربتني في أعز أنسان على قلبي في هذا الكرة الارضية ، ولكن امام إرادة الباري عز وجل ، لا بد لنا أن نحني رؤوسنا لإرادة الله تعالى .
قد يأتي اليوم الذي أعود فيه إلى بلدتي لكي اتنشق هواء الحرية والكرامة والتحرير ، ولكني سأعود وحيداً هذه المرة دون والدي الحبيب الذي كان شوقه للتراب الحبيب أكبر فعاد إلى الثرى الطاهر نعشا مسجى على أكتاف الأحبة ، ليكون أول مكان أزوره عندما أعود هو ضريحه الطاهر  والمبارك   .
                                               على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .
                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                            الجمعة   2  أب                2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x