الهجرة نحو المجهول

الهجرة نحو المجهول
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور   كندا
الإتحاد وندسور
العدد 6 نيسان
2000
تصرإحدى الصديقات على إطلاق كل صفات الثناء والإعجاب على النظام الغربي المتبع في هذه البلاد من جميع جوانبه ، ولا سيما في موضوع حرية المرأة وعدم وصاية الرجل عليها .
طبعاً لكل إنسان رأيه في هذه الحياة ، وقد يكون عند كل شخص منا معطياته ونظرته الخاصة إلى كافة الأمور ، سواء على صعيد الحياة الشخصية أو الحياة بشكل عام .
التطرق إلى موضوع الهجرة بشكل عام ، وإلى موضوع هجرة العرب إلى بلاد الغرب هو موضوع واسع وشائك.
لذلك سأطرح موضوع وجود العائلة العربية في مجتمع غربي تختلف فيه العادات والتقاليد ونمط الحياة بشكل كبير وملفت للانتباه عما نعهده في بلداننا العربية المختلفة ، بدءاً بالعائلة نفسها ، وحتى آخر شئ يرتبط ارتباطاً موضوعياً بحياة البشر في هكذا مجتمعات .
وليس خافياً على أحد أن المجتمع هنا هو مجتمع مادي بحت ، وهو الذي يسهل التباعد والتنافر بين الناس وبالتالي غياب مفهوم العائلة التقليدي كما نعهده في بلادنا العربية فيما يسهل على كل فرد من أفراد العائلة أن يخرج من منزل ذويه ليفتش عن الحياة التي يختارها دون حسيب أو رقيب ، في ظل الحرية التي يكفلها القانون لكل الناس على حد سواء .
وما يؤلمني ويزعجني على الدوام هو ما أسمعه أو أشاهده من هذا التفكك الأسري بين صفوف عائلات عربية عديدة جاءت إلى هنا مجتمعة الشمل لتجد أن الأب سار في اتجاه، والابن سار في اتجاه آخر ، وربما الأم أو البنت في اتجاه معاكس آخر .
إنه مؤلم حقاً أن نكون قد وصلنا إلى هذا الدرك من التعامل مع بعضنا البعض في غياب الراعي الحقيقي والموجه في عدة أمور نعيشها بشكل يومي .
فحالات الطلاق والانفصال بين الزوجين على أشدها   في  غير مكان وزمان  من هذا العالم   الواسع والمترامي   الاطراف  الى ابعد الحدود  .
والأدهى من ذلك أن حالات طلاق حصلت بين أزواج وزوجات مضت على زواجهم سنوات طويلة عاشوها معاً .
ولكنهم عندما حضروا إلى هذه البلاد ، بدأت الخلافات والنزاعات بالظهور ،  وأغلب الحالات يكون سبب الطلاق أو الانفصال فيها تافه وسخيف جداً ولا يستأهل كل ما تصل إليه الأمور من طلاق وما شابه ذلك ، وما يعقبه هذا الأمر تالياً من تأثير على الأطفال والأولاد الذين يصح فيهم المثل الشعبي القائل : الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون !!
الإنسان منا يتألم كثيرا ويحزن لحدوث هكذا أمور في صفوف الجالية العربية ، وهو أمر مع الأسف الشديد كثير الحصول في عدة أماكن من العالم حيث يتواجد المهاجرون العرب ، ولا سيما في أمريكة الشمالية والجنوبية وأوربا وأستراليا .
الألم والحزن في الغربة يكون  أقوى وأشد إيلاًما لحدوث هذه الأزمات والحالات .
عندما يقرر الإنسان أن يهاجر إلى مكان ما في العالم ويترك وطنه ، سواء أكانت هذه الهجرة طواعية وبإرادة المهاجر أو قسرية ورغماً عنه ، فإن هذا الإنسان يكون بذلك قد وضع هدفا معيناً للوصول إليه من خلال هذه الهجرة .
أذكر جيداً في أوائل السبعينات أن ابنة أحد جيراننا في المبنى الذي كنا نقطن فيه في إحدى ضواحي بيروت ، خطبها شاب لبناني مقيم في الكويت .
واستعدت العروس للسفر والالتحاق بعريسها . فبكت أمها بمرارة وأذكر أنها قالت : ” الفراق صعب والغربة أصعب !”
” الغربة ؟” تلقفت أنا هذه الكلمة يومها وسألت نفسي أولا  : ما هي هذه الغربة ماذا تكون ؟ سألت إحدى السيدات يومها فقالت لي  بعد ان نهرتني  : ” يا ولد أنت لا تزال طفلا لا تسأل كثيراً “
المهم أن جارتنا والدة العروس لم يهدأ انفعالها إلا بتحلق النسوة من الجارات حولها وإقناعها بأن عليها أن تتقبل الأمر ببساطة ، وقالت إحدى السيدات  محاولة تهوين  الأمر عليها : ” إن ابنتك ذاهبة إلى الكويت وهي بلد عربي ، فماذا سيكون حالك لو أنها مسافرة إلى أستراليا ؟”
تشتت عقلي الطفولي بين أستراليا والكويت والغربة وأنا أرى دموع جارتنا المنهارة بغزارة ، ولم أستطع آنذاك استيعاب الموقف ، ففضلت الخروج والالتحاق بأترابي الأطفال وأشاركهم لعبهم .
عودة إلى الموضوع ، علينا كمهاجرين عرب أن نتمسك قدر الإمكان بقيمنا ومُثلِنا وعاداتنا الحلوة المتوارثة ، حفاظاً على وجودنا ووقاية أطفالنا وأجيالنا الصاعدة من خطر التفكك والتفرق والأضمحلال المؤدي إلى التلاشي .
أين تلك الجارة الطيبة لكي تبكي لا على فراق ابنتها بل على حالنا وما آلت إليه أمورنا وأحوالنا في هذه الغربة القاسية والمؤلمة على حد سواء .
                                             على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                            الثلثاء   13         أب                2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x