رحيل أم عمار
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور    كندا
جريدة صدى المشرق    مونتريال
كندا
مساحة حوار
رقم العدد    304
الثلاثاء  8    أذار
2011
تقدّم مني في احدى المناسبات الاجتماعية للجالية وقد عرّفني من نفسه :
أنا عمار من سوريا ، صافحته وقلت أهلا بك أخي عمار وبسوريا صاحبة التاريخ العريق .
فرد بلهجته الشامية المحبّبة مرحباً  بك  أخي الكريم علي    وقال انه يتابع ما أكتبه في الجرائد والمجلات وأضاف ان والدته هي ناقد متابع لما أكتب فهي سيدة فاضلة درست في احدى الكليات الجامعية السورية .
نشأت بيننا صداقة كنا نتحادث عبر الهاتف بين الفينة والأخرى وأول ما يبادرني بالقول لك سلام خاص من السيدة الوالدة وفي كل مرة أعده بأني سأقوم بزيارتها لأتعرف عليها ولكن مشاغل الحياة وصعابها لا تنتهي وكان عمار يردد بأنها تسجل ملاحظاتها على كل موضوع أعالجه من خلال المواضيع والأمور الإنسانية التي  أكتب  فيها .
في احدى الايام كنت خارج المنزل عندما تلقيت اتصالا من عمار على هاتفي الخليوي حيث طلب مقابلتي بشكل فوري  ولامر عاجل  كما قال لي على الهاتف  ،  تقابلنا وبدا وجهه شاحبا وحزينا إلى أبعد الحدود وقبل ان اسأله عما حصل فاجأني بقوله ان الوالدة  ترقد الآن بسلام في رحلتها الأخيرة مع السيدة مريم العذراء والسيد المسيح عليهما السلام .
شعرت في تلك اللحظة بقشعريرة غريبة تسري في كل جسمي ، أردف قائلا توفيت والدتي منذ قليل في المستشفى وكنت اول من أصر عمار على ان اعرف بالخبر الحزين ، اجهش  عمار بالبكاء في نوبة متواصلة حاولت قدر الامكان تهدئته وشرحت له ان أمر الله قد حصل ، وطلب منه ان نذهب الى المستشفى وسألته اذا كان قد ابلغ   أحد  ما  خوري الكنيسة   مثلا   ؟؟  فأجابني بالنفي فقمنا سويا لتدبير الأمر وقبل ان نغادر قال لي ان والدته وهي في لحظتها الأخيرة طلبت منه ان ينقل لي سلامها  واردف   بأنها كانت تحب ان تلتقيني  وجها  لوجه  ، ويعلم الله   تعالى وحده  بماذا شعرت في تلك اللحظات التي  قال لي  عمار تلك الكلمات عن والدته الكريمة الراحلة الى جنان الخلود   .
وانا أعيش في وقع المفاجأة سألني عمار هل كنت تعرفت قبل الآن اني مسيحي يا علي ؟ ؟
أجبته أبدا والله يا اخي انا تعاملت معك منذ البداية على اساس انك شقيق لي في العروبة والإنسانية وعلى كل حال انا لست غريبا عن سوريا فأنا أعرف هذا البلد جيداً وأعرف شعبها وطريقة التسامح الديني هناك فالدين هو آخر شيء يتحدث فيه السوريين بينهم والأدلة والشواهد أكثر من ان تعد وتحصى .
غادرنا المكان الى المستشفى لإنهاء الإجراءات تمهيدا لنقل الجثمان إلى  دار العزاء  الخاصة   ومن ثم  ينقل الى  الكنيسة   حيث  سيصلى على جثمانها ومن ثم يتم عرض الجثمان في دار العزاء الخاصة   مرة ثانية  ومن ثم المرحلة الأخيرة وهي الدفن حيث ستوارى الفقيدة الثرى في مدافن الكنيسة هنا بناء على وصيتها   التي  كانت  تردد على مسامع ابنها ان يتقيد بها  حرفيا  . .
جرت كل الامور كما هو مرسوم وبدا عمار اكثر حزنا على والدته الراحلة يوماً بعد يوم .
وقد عرفت منه ان والدته وقبل فترة بسيطة طلبت منه بان يسافر إلى سوريا ليختار زوجة المستقبل من هناك وبالفعل وقع الاختيار على ابنة احدى العائلات السورية من مدينة حلب الشهباء وبعد الإجراءات القانونية لحضور العروس الى هذه لبلاد سافر عمار مجددا الى سوريا وأقيم له حفل زفاف هناك واحضر عروسه الى المغترب الكندي وقد حضرت عروس عمار الى هنا وهما يعيشان في كل سعادة ووئام وفرح .
واقعا شعرت بالندم الكبير ولكن يوم لا ينفع الندم على أنني لم أتعرف شخصياً الى والدة عمار الراحلة وشعرت بقساوة الحياة والظروف الصعبة التي تجعل المرء يتحول في هذه البلاد الى ما يشبه الآلة الجامدة  !
يستفيق المرء  ويذهب الى عمله  الذي قد يكون في  نوبات عمل ثلاث مختلفة    صباحا او مساء  او  حتى في  منتصف الليل  ومن ثم يعود المرء الةى  منزله وهكذا دواليك  في  دورة الحياة الشلقة والصعبة الى ابعد الحدود  .
رحلت أم عمار عن هذه الدنيا بجسدها ولكن ذكراها باقية في القلوب والنفوس الى الأبد .
                                              على الخير  والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                            الخميس   29                 أب                2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x