معاناة في الغربة

معاناة في الغربة

عندما كان في مرحلة الشباب, كانت حياته بشكل عام عبارة عن شخصٍ مليء بالحيوية والنشاط, يحسده على هذا الأمر كل أقاربه ومعارفه, وحتى أقرب الناس إليه , أهله الذي كان لا يزال يعيش معهم في نفس المنزل حتى اللحظة التي شاءت فيها الأقدار أن يهاجر ويترك وطنه الحبيب إلى أكثر البلدان بعداً على خريطة العالم. كان ذلك منذ ما يربوا على ثلاثة عقود من السنوات قضاها في ذلك البلد وحيداً بعد  أن تركته زوجته الأجنبية بعد خلاف وقع بينهما , وقررت تركه فأحدث له هذا الأمر ما يشبه الصدمة الكبرى .من شدة حبه لتلك السيدة وتعلقه الكبير بها ليكتشف أن الأمر برمته لم يكن إلا أحلام , وسراب عاش فيه لسنوات معدودة و من ثم كان الفراق , منذ أكثر من عشرين عاماً, ولكن من يومها أضحى ذلك الشاب المليء بالنشاط , والحيوية إلى مجرد شخص يقضي نهاره , وليله على تلك الأريكة الهزيلة التي تلازمه منذ سنوات عديدة وطويلة بعد أن كان من أفضل الشباب الذين وصلوا إلى تلك البلاد, واستطاع الحصول على عمل جيد ذو مدخول مغري يومها, ولكن ذهبت كل تلك الأمور هباءً منثوراً. فاكتفى بما تقدمه له مؤسسة الضمان الإجتماعي من راتب يكاد لا يكفيه أجرة الغرفة الصغيرة التي يعيش فيها, وما يريده من مصروف شخص على مدى كل شهر في حالته الصحية التي تسؤ يومياً.

حاول عدد غير قليل من الأشخاص مساعدة ذلك الرجل في الخروج من أزمته المفتعلة تلك , ولكنهم كانوا يصطدموا بعناده , ومكابرته على البقاء في تلك الحالة المزرية التي يتحمل هو أولاً وأخيراً مسؤولية الوقوع فيها لا بل البقاء في قعرها ليردد مقولته المملة عن تلك المرأة التي كانت يوماً زوجة له, وقررت من تلقاء نفسها أن تتركه وتعود إلى طريقة الحياة التي اعتادت عليها, حتى خلال الزواج منه. لم يكن الأمر برمته يستأهل كل هذا العناد و الإصرار على البقاء في حالته الكئيبة والمقيتة تلك. رغم محاولات الأصدقاء والمعارف المتكررة لمساعدته على الدوام. وصل ذلك الشخص إلى مرحلة عدم الخروج من غرفته تلك مهما كانت الأسباب , وهناك مرات عديدة شاهد فيها جيرانه سيارات الإسعاف  تنقله إلى المستشفى , و لا يلبث أن يعود إلى سابق عهده في العزلة و الإنطواء داخل غرفته المظلمة , والكئيبة تلك.

وتتوالى الساعات و الأيام , والشهور , والسنين متلاحقة في حياة ذلك الغريب عن ذلك البلد حتى و لو حصل على جنسية تلك البلاد.و مؤخراً لازمته عادة البكاء بحيث كان يبكي بشكل متواصل , ولساعات عديدة ليغفوا بعد ذلك البكاء مباشرة , ويغط في سبات عميق على تلك الأريكة نفسها بحيث أضحى يقضي ليله ونهاره بالنوم , وعلى نفس الأريكة لعله كان يحلم في نومه المستمر, بالوطن , بأهله الذين تركهم هناك, وبقي هنا شبه إنسان مُعذب و مُشرد إلى أبعد الحدود.

على الخير  والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                                 علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                            السبت    7       أيلول                 2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x