بقلم علي إبراهيم طالب
وندسور _ كندا
مجلة الحوادث _ لندن
بريطانيا
رسائل إلى المحرر
رقم العدد _ 2420
الجمعة 21    آذار
2003
مازن  شاب عربي طموح عاش في بلدة العربي الام حياة عادية جداً وكان يحلم بأمور كثيرة لولا تلك الحرب اللعينة التي عصفت ببلده على مدى خمسة عشر عاما فحصدت القتلى والجرحى والمعاقين وتركت في نفسه  جرحاً نفسياً عميقاً على وطن كان يُعتبر الى الأمس القريب سويسرا الشرق ، المهم انه عندما بدأت تلك الحرب كان  مازن  يبلغ من العمر عشر سنوات فشاهد وسمع وعاش كل تلك المرحلة العصيبة والصعبة من حياته .
مازن كان ولم يزل ذا شخصية مرحة يحب الناس بأسرهم وعنده شعار مقدس في هذه الحياة هو احترام انسانية الإنسان بغض النظر عن دينه ولونه ومعتقداته .
انه  صريح للغاية وصراحته هذه عرضته مرات عديدة لمشاكل وأمور صعبة وخاصة عندما كان يواجه افرقاء القتال العبثي الذي كان يدور أحياناً بين بيوت الآمنين وموارد رزقهم  ، كان ولم يزل حتى يومنا هذا يعتقد بأن كلمة الحق الصريحة يجب ان تُقال مهما كانت النتائج والظروف المترتبة عن قول تلك الحقيقة الواضحة .
كانت صراحة مازن  وجرأته العلنية مصدر خوف من قبل اهله واقاربه لأنهم يعرفونه جيداً وخاصة من والدته التي كانت تصر على الدوام ان تعرف عنه كل شيء   ،  مع من يمشي واين يذهب  من هم اصدقائه  وكان ذلك الأمر ينبع من خوفها عليه من اي انسان طائش انتقده   يوما او وقف بوجهه مع العلم ان الأول  قد يكون مسلحاً ومازن  اعزل من السلاح الا سلاح الكلمة التي تنم عن الحق والخير والمعرفة .
كانت والدته  تلح عليه دوما بالزواج مع انه لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره وكان هو يرفض ويقول بنات الناس ليست سلعة وان ظروفي  عامة الآن لا تسمح بأن اؤسس منزلاً وادفع للأثات ولحفلة الزفاف وما الى ذلك ، وكان يلاحظ ان والدته كانت متحمسة لهذا الأمر وجاءته يوما وقالت له انها وجدت له عروس المستقبل .
انها   هدى  قريبة امه سيسافر أهلها الى استراليا   وهي ستلحق بهم وبهذا أرادت والدته ان تضرب عدة عصافير بحجر واحد اولها انها تزوج ابنها الى فتاة تعرفها جيدا وتعرف أهلها وثانياً يتحقق لها ما تعمل له دائما وهو سفر ابنها وبالتالي الحفاظ على حياته والسبب الأهم من ذلك هي انها لاحظت ان ابنها يبدي إعجابا يوما بعد يوم بابنة جيرانهم والتي كانت ام  مازن   لا تحبها ولا تشعر نحوها بالمودة  ولم تكن تتصور يوما انها ستكون كنّة المستقبل فعملت والدته جاهده لإتمام أمر خطبته من   هدى والسفر بعدها الى استراليا  ( ارض الأحلام الموعودة ) للملايين من البشر في  هذا العالم  .
لاحظ  مازن  ان هناك شبه إجماع من امه  وأفراد العائلة والأقرباء على موضوع   هدى  وقد احتار   بأمره  فهو بدأ يشعر فعلا بميل  شديد نحو ابنة الجيران وهي فتاة على قسط وافر من الجمال وتتمتع بأخلاق عالية وسمعة حسنة بين الجيران جميعهم وأبناء المحلة بشكل عام ، ولكنه واقعاً لا يستطيع ان يقدم على الزواج منها لظروفه الصعبة مع ان تلك الفتاة صارحته  مرات عديدة بإعجابها الشديد به وتتمنى ان يجمعهما  منزل  وعش زوجي  واحد لبناء حياة سعيدة واعلمها هو بالتالي بحقيقة شعوره نحوها ولكن الظروف اقوى منه والضغوط عليه من والدته وأقاربه كانت متواصلة حتى تم لهم ما أرادوا فتم عقد قرانه  على   هدى  في منزل  اهله   ودخلت في هذه الأثناء ابنة الجيران وتقدمت في موقف  صعب ومؤلم  الى ابعد الحدود  نحو  مازن  وصافحته بيد مرتجفة وباركت له الخطبة ولكن دموعها كانت اسرع وانهمرت بغزارة على خديها بعد ان شاهدت هذا المنظر المروع بالنسبة لها كيف ان   من احبته  بشكل جنوني   يجلس الى جانب خطيبته فتمنت لو انها هي نفسها كانت تجلس محل   هدى  تلك التي كانت تكنّ لها كرهاً شديداً لانها خطفت منها اعز وأغلى  انسان على قلبها في هذا الكون .
وبالمقابل بادلتها  هدى  الكره نفسه لانها  وبدون اي سابق معرفة بيت الفتاتين  ولكنها  كانت تعرف مسبقاً ان  مازن  كان يميل الى ابنة الجيران وجاء الآن دورها لكي تنسيه إياها ولكن إنّي للحب ان يطفأ   من قلوب العشاق والمحبين !
سافر اهل  هدى الى استراليا  ولم يكد يمضي اشهر قليلة حتى كانت هي نفسها تحمل تأشيرة الهجرة للسفر الى هناك  وبدأت تستعد للسفر وفعلاً ما هي الا ايام قليلة حتى كانت  هدى  تستقل الطائرة للالتحاق بأهلها والعمل بقدر المستطاع ان تجري أوراق خطيبها  للالتحاق بها وبدا لو انه  نفسه  وقف في المطار وهو لا يشعر ماذا يدور من حوله .
وتتالت الاسئلة في ذهنه  وتلاحقت بشكل  مجنون وسريع    :    هدى ، ابنة الجيران ، السفر ، البقاء في وطنه ، ولم يستفق من أحلامه الا عندما اعلمه أقاربه وأمه ان الطائرة اصبحت في الجو وعلينا العودة الى المنزل .
انتظر  مازن  عدة اشهر حتى حصل هو الآخر على تأشيرة الهجرة للدخول  والسفر الى   استراليا  في تلك اللحظات أحس بشعور غريب فهذه هي المرة الأولى التي سيغادر فيها وطنه الى بلاد غريبة ربما لا يعرف احد من أهلها الا   خطيبته  وأهلها وحانت تلك الساعة ووجد  نفسه على ارض المطار والأقارب والأصدقاء يودعونه ويتمنون له التوفيق في حياته الجديدة ، وما ان تحركت الطائرة من ارض المطار وبدأت بالصعود حتى انتابته موجة عارمة من البكاء أثارت انتباه ركاب الطائرة فبدا البعض منهم مشفقاً عليه فيما انصرف الركاب الآخرون  كل الى شأنه   :  هذا يقرأ جريدته   ، وذاك يرتب حقيبة يده وهكذا دواليك .
وصل   مازن  الى استراليا   بعد  مشقة سفر وساعات طويلة  ومتعبة الى ابعد الحدود من الطيران   المتواصل   ليجد  هدى  وأهلها في انتظاره ، وظل لفترة طويلة ترتسم علامات الوجوم على وجهه ولاحظت  خطيبته  هذا الأمر وقالت في قرارة نفسها بأن السبب ربما يكمن في ابتعاده عن وطنه وأهله  للمرة الاولى في حياته  وهو الذي عُرف عنه تعلقه الشديد بوطنه الحبيب وبالتالي العلاقة المميزة والخاصة مع اهله .
مضى على وجود   مازن  في أستراليا  حوالي العشر سنوات والصورة هي على الشكل التالي :
تزوج   من هدى   ورزقا بعدد من الاطفال ، ولكن  كان يشعر  ان حياته أشبه بالجحيم لان اكتشف  في زوجته  انها  تتمتع بعاده سيئة ومدمرة فهي تغار عليه  غيرة شديدة وقاتلة وأي فتاة او سيدة يتحدث معها   مازن  تبدأ  هدى  بسلسلة طويلة من الاسئلة من هي ؟ لماذا تتحدث معك ؟ انت تخونني ؟ كل الرجال هكذا الى اخر السيمفونية التي حفظها  هو  عند ظهر قلب .
 يشعر مازن  بالأسف والأسى على نفسه اولا ، وعلى  هدى ، وعلى ابنة الجيران التي لم تتزوج حتى هذه اللحظة على الرغم من كل العروض التي جاءتها بانتظار  فرصة تجمعها  به   نفسه كما قالت له حين زار الوطن منذ سنوات عديدة .
يعتقد  واثقا   بأنه كان عليه ان يستمع الى قلبه فقط ويتزوج من الانسانة التي تحبه ويحبها من كل جوارح قلبه .
 احيانا  يسأل نفسه السؤال المحير   الذي لم ولن يجد له اي  جواب    :
الحق على من ، على  مازن   ، على اهله ، على الظروف ؟
الحياة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال المحيّر والمؤلم في آن معاً .
انها الحياة  .
 
 
 
 
 
 
 
 
                                                 على الخير  والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

 
 
 
                                                 علي   ابراهيم   طالب
 
 
 
                                                وندسور    كندا
 
 
 
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
 
 
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
 
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
 
 
 
 
 
 
                                            الخميس   12            أيلول                 2013
 
 
 
 
 
 
 
 
 
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x