الناطور المقهور

الناطور المقهور
بقلم علي إبراهيم طالب
وندسور    كندا
اليوم هو الثامن عشر من شهر آب هو آب ( اللّهاب ) على  ما نقوله  في الأمثال الشعبية المتوارثة  عبر الاجيال  .
انها العاشرة صباحاً وهو لم تغمض له عين طيلة ليلة البارحة ، شعر ان الحرارة في غرفته المتواضعة القابعة تحت السّلم الرئيسي للمبنى الفخم الواقع في احدى أرقي وأفخم ضواحي المدينة على الإطلاق ، لا تطاق .
سمع بعض قاطني المبنى يتحدثون على أن درجة الحرارة ستصل إلى الأربعين درجة من الحر والذي يحمل معه الهواء الساخن أيضاً وأيضاً ، لم يكن يمتلك في غرفته الفقيرة المتواضعة ولا حتى مروحة هواء عادية تقيه قليلاً من الحر القائظ ، كان عمله كناطور وحارس لذلك المبنى يحتم عليه التواجد في المبنى ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاءً فقد يحتاجه احد سكان المبنى لشراء أي شيء حتى ولو بعد منتصف الليل أو في ساعات الصباح الاولى  .
 وكان عليه ان يهتم بنظافة مدخل المبنى والسلالم وكاراج السيارات وأن يحمل أكياس القمامة من كل الشقق السكنية متى أراد أصحابها ذلك ، وكان عليه أن ينتبه إلى عدم رفض أي أوامر تأتيه ولا سيما من السيدات اللواتي يقطن المبنى وإلا فعليه أن يتّحمل الويل والثبور وعظائم الأمور منهن !!
شاهد في نشرة الأخبار الصباحية عبر التلفزيون تقرير عن مكتب الأرصاد الجوية اللبنانية أن لبنان سيمر في اليومين القادمين بموجة حّر غريبة وغير مسبوقة وستصل درجة الحرارة إلى حوالي 42 درجة مع أحتمال  أرتفاع درجات الحرارة بدرجات كبيرة وغير مسبوقة الحدوث من قبل في تاريخ لبنان ، وعزا الأمر إلى التغييرات المناخية حول العالم وختم المسؤول حديثه بأن العالم حالياً ينقسم بين حريق وغريق !!
على الرغم من أنه لم يستطع النوم ولو لدقيقة واحدة ليلة البارحة إلا أن طلبات قاطني المبنى كانت لا تنتهي  ولا وقت محدد لها على الاطلاق  ،  فهذه تريد بعض الخضار والفاكهة وآخرى تريد أرساله إلى مكان غسيل وكوي الثياب لإحضار الفستان الذي ستلبسه هذه الليلة ، وثالثة دعته ليصعد إلى شقتها لأنها تريد تغيير ديكور الأثاث في منزلها وعليه أن يُنفذ أوامرها الصادرة بتغيير أماكن وجود الأثاث نفسه !
وهكذا من عمل إلى آخر ومن شقة إلى اخرى ومن محل تجاري إلى آخر كان يعمل على مدار الساعة   ، وكأن جسمه آلة وبخل عليه سكان المبنى بأن يخلد إلى الراحة حتى ويهم يخلدون إلى الراحة في مخادعهم وغرف نومهم فهذا يريد منه أن يعمل تلك الليلة على تنظيف سيارته من الداخل والخارج ، وآخر يطلب منه أن يسقي الزهور التي تحيط بالمبنى حتى يّمتع نظره عندما يذهب إلى عمله صباحاً برؤية رذاذ الماء على الورود الجميلة المزروعة في زوايا موقف السيارات التابع للمبنى !!
شعر الناطور بأن جسمه إنهار تماماً ألقى بجسده المتعب والمنهك على بلاط غرفته المتواضعة وغرق في نوم عميق ، في الصباح الباكر بدأت أصوات سكان المبنى تناديه لم يشعر بشيء ظنوه في بداية الامر ميتاً ، كان ميتاً من التعب من طلبات سكان المبنى التي لا تنتهي لا نهاراً ولا حتى في ساعات الفجر الاولى !!!
كان الله في عون ذلك الناطور المسكين   الذي  يعاني  ما يعانيه  في صمت مطبق   وألم  غريب لا يحتمله اي انسان .
ايها البشر ارحموا قليلا من في الارض   يرحمكم من في السماء  .
                                              على الخير  والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                                 علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                              الاحد              3    تشرين الثاني                   2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x