صفحات من سيرة عميد الجالية اللبنانية في ميشيغان الاميركية الراحل مايكل بري

صفحات من سيرة عميد الجالية اللبنانية الراحل مايكل بري:

في آخر حديث لـ «السفير»: أزمات لبنان صناعة محلية

 

 الرجل الذي يكاد يقترب من المئة تزوره في منزله في ديربورن هايتس، وتتمعن في قسمات وجهه التعب، فتخبرك تلك التجاعيد التي تأبى ان تظهر حتى ذلك اليوم، عن سنوات طويلة من التجارب والأحداث. تروي عيونه المتعبة حكاية نجاح مئات اللبنانيين ممن ساعدهم واخذ بيدهم او دافع عنهم وعن قضاياهم كما قضايا العرب الاميركيين!

يكفي ان تنظر حولك على الحائط في صالون المنزل الكبير او في (البايسمنت) الذي يكاد يتحول لمتحف من الصور، فترى العشرات منها معلقة تجمعه برؤساء جمهورية ومع وزراء وشخصيات عالمية ومحافظين وعمداء ولايات. شهادات تقدير وتكريم من دول واشخاص ومن جهات رسمية ومنظمات حقوقية، لتدرك حجم الحياة الحافلة التي عاشها.

بابتسامة وديعة و مرحبة وبتواضع الكبار يستقبلك سير مايكل مشيدا بأناقة اللبنانيات وذوقهن الرفيع – على حد وصفه – فالتسعيني العتيق لم يفقد قدرته على الغزل ايضا! ولا حتى حسه الفكاهي والتعليق والمزاح من وقت الى آخر.

قرابة قرن امضاه سير مايكل بري في الولايات المتحدة الاميركية. هو المولود في ميشيغن العام – ١٩٢٠ ابن محمد بري الموظف البسيط في «فورد» الذي تحول الى «تشارلز» بعدما هاجر الى ميشيغن العام ١٩٠٤، ومريم الوالدة وربة المنزل العظيمة، كما يصفها بري: « كنا عائلة كبيرة مؤلفة من ٩ افراد ولم نكن اغنياء. درست وعملت في مهن كثيرة في المطاعم والمقاهي والسوبرماركت ولم اترك البيت الابوي حتى فترة متقدمة من العمر. نحن عائلة لبنانية بامتياز (يعلق ضاحكا) وامي هي احسن من يصنع الكبة! لقد اشتقت كثيرا لأكلها الطيب».

العودة الى تبنين

تسافر معه بالذاكرة الى تبنين التي زارها صغيرا مرتين: الأولى في العام ١٩٣٠ مع والده وشقيقته، والثانية العام ١٩٦٦، حينما اصبح محامياً وفي مهمة تكاد تكون رسمية. يقول بري: «كانت الزيارة الأولى تجربة لا تنسى. كنت في العاشرة من عمري وقرر ابي ان يرسلني مع اختي «ايمي» للتعرف على جذورنا والعيش في تبنين على امل العودة النهائية. حينها لم تكن طرقات الجنوب معبّدة. ركبنا عربة حمير واستغرقت الرحلة من صور الى تبنين أياماً. كنا نسمع اصوات الثعالب الجائعة ونرى عيونها تضيء وسط عتمة الطريق تلاحقنا فنرتعب خائفين. مكثنا عند جدتي ٨ شهور قبل ان يتبعنا والدي (يضحك مايك بري). كانت من أروع وأقسى التجارب في حياتي لصبي اعتاد الحياة في اميركا. فقد اخبرنا اهلي الكثير من القصص الجميلة عن تبنين، عن تلك السهول والهضاب والفاكهة اللذيذة والصباح الجميل، الا انهم نسوا ان يخبرونا انه لا ماء ساخنا في الحنفية ولا كهرباء ولا غاز ولا تدفئة سوى بعض الحطب!!!

يضحك بري ويتابع: كان هناك صعوبة في العيش. اذكر اننا بكينا كثيرا كي نعود الى اميركا. كان صعبا علينا البقاء. كل شيء كان مختلفا… ذهبنا الى مدرسة هي عبارة عن غرفة واحدة تضم كل التلاميذ ولكل الصفوف. مازلت اذكر معلمي «علي». كنت أحبه كثيراً، وعندما زرت تبنين في المرة الثانية في العام ٦٦ ذهبت لكي أزوره، ولكنه كان قد توفي. في المرة الثانية كانت تبنين قد تغيرت تماما والبلد ايضا. بقيت في لبنان حينها شهراً كاملا. احببت لبنان كثيراً، ولكنني اردت العودة الى وطني الى اميركا.

بكل اهتمام تسمعه يتحدث عن وطن اجداده وجذوره التي يعتز بها، وهو الأميركي الفخور ايضا بوطنه الذي احترمه واحتضنه. يحزنه ما آل اليه وضع الجالية معلقا: الكل يريد ان يكون زعيما حتى هنا في اميركا!! انها واحدة من صفات اللبنانيين.

يضيف: ساعدت الكثيرين. لم اكن افعل ذلك سوى احتراما لجذوري ولذكرى ابي. فتجربة الزيارة الى لبنان علمتني الكثير وجعلتني اقدر وأفهم معنى ان يترك المرء بلده ويقاسي ليعيد بناء حياته بعيدا عمن يحب. لدينا جالية مهمة ولديها حضورها القوي والمؤثر وقد وقفت دائما الى جانبهم.

إبن العم.. نبيه

تنصت اليه بصبر وشوق. فهو وإن اقعده التقدم بالسن الا انه لم يقعد ذاكرته المشتعلة بالأحداث والصور والحكايات. بكل اهتمام يحدثك عن ابن العم نبيه بري زميل المهنة ورفيق الدرب السياسي، ولو عن بعد الاف الكيلومترات. يقول سير مايكل بري: أولا عليك ان توصلي له كتابي، ففيه جزء اتحدث عنه. ثانيا هو ابن عمي وأفعل اي شيء لمساعدته. لقد استطاع هذا الرجل ان يفعل للجنوب ولأهله الكثير وهو يستحق الاحترام لكل هذا. لم اره منذ وقت طويل، ولكننا على اتصال دائم، وقد تعاونا في امور كثيرة لخدمة لبنان واللبنانيين في لبنان واميركا. وأود أن أوجّه له نصيحة أن يمتّن أواصر العلاقة مع الشعب مع الناس العاديين. إنهم القيمة الحقيقية للبلاد.

بكل حب وفخر يحدثك بري عن اميركا «بلد الحريات والقوانين واحترام حق الانسان بالعيش والعمل»، ويسأل: كيف لبلاد صغيرة لا تمتلك تطبيق ربع ما تطبقه اميركا على مواطنيها من قوانين عادلة ان تقارعها وهي أمة عظيمة لا تقارن مع اية دولة؟ لبنان يتعامل مع اميركا كـأنه ند لها، وهو للأسف مليء بالمشاكل الداخلية التي لا تصنعها اميركا بل ابناؤه في لبنان. هناك الكثير من الاطراف والافرقاء وكل واحد يريد ان يدير الدفة لناحيته!!

( نقلا عن الملحق  الاغترابي  لجريدة السفير اللبنانية  الغراء   )  .

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x