تجربة انسانية اليمة (2 )

بعد ثلاثة اسابيع على اجراء العملية الجراحية في فمي واستأصال بنت الاذن اليسرى ، عانيت خلالها من اصناف الالم ولا سيما اني كنت ممنوع من تناول الطعام العادي بل كان طعامي وعلى مدى شهرين متتاليين عبارة عن المثلجات والبوظة الباردة خوفا من النزيف الذي قد يحصل لي اذا تناولت اي طعام مثل الخبز او اي طعام اخر وعانيت الامرين من هذه الحالة على مدى اسابيع عديدة متتالية .
كان طبيب العائلة يعرف اني استيقظ في ساعة مبكرة من الصباح كل يوم مهما كانت الظروف حتى ولو سهرت حتى الصباح وعلى هذا الاساس حدث الامر التالي :
رن جرس الهاتف في المنزل في ساعة مبكرة جدا من ذلك الصباح الذي لا انساه ما حييت وكنت اعرف ان طبيب العائلة يحضر الى العيادة في ساعة مبكرة وعندما نظرت الى شاشة الهاتف وجدت رقم طبيب العائلة ودار بيننا الحوار التالي :
قال الطبيب : صباح الخير يا علي كيف تشعر اليوم ؟
اجبته على الفور : أخبار سيئة ؟؟
اجابني :نعم .
قلت له : انا مصاب بالسرطان صحيح ؟؟
قال : نعم
وضعت سماعة الهاتف واول كلمة انطلقت من لساني كانت : الحمد لله على كل شيْء .وقلت لنفسي :اللهم لك الشكر والحمد ولارادتك انا قبلت .
كان عليي ان اكون في عيادة طبيب العائلة عند الساعة الثامنة من ذلك الصباح ومن هناك انطلقت رحلتي مع ذلك المرض الذي احتاروا في وصفه مرة : الخبيث ، ومرة اللعين فيما لايجروء البعض على مجرد النطق باسمه وهو ما فوجئت لاحقا ان بعض الكنديين ايضا لا يجرأون على قول مجرد ذلك الاسم ، وكنت اسمع منذ صغري يقولون فلان اصيب بذاك المرض الذي لا يسمى ،فأصبحت انا ذلك الفلان الذي اصيب بمرض السرطان (ابعده الله تعالى عليكم وعلى كل من تحبون انه سميع مجيب الدعوات ) .
عندما دخلت الى عيادة طبيب العائلة شعرت ان جميع موظفي العيادة وهي عبارة عن مجمع طبي كبير يحوي العديد من العيادات والمكاتب القريبة من بعضها البعض ، جميع الموظفين التفتوا الي عند دخولي ولا انسى كيف قامت المسؤولة من مكانها واقتربت مني وتأكدت من ان الابتسامة هي نفسها عند زيارتي المعتادة للمركز الطبي وابلغتني بانها اول شخص اطلعت على التقرير الطبي الخاص بي بحكم مسؤوليتها في العيادة وطلبت مني ان اكون قوي وأحافظ على روحي المرحة على حد قولها وعمدت الى احتضاني قبل ان ادخل الغرفة التي سيراني بها طبيب العائلة ، استطعت ان ارى بعض الدموع في عينيها وكان موقف انساني لافت منها تجاهي فشكرتها على كل عواطفها النبيلة وطلبت منها ان تنقل سلامي لكل فريق عملها في العيادة ودخلت لرؤية الطبيب ، الذي مازحته كعادتي عندما اراه وهو المتحدر من اصل لبناني اذ ان والده ولد في هذه البلاد .
تحدث معي الطبيب بكل صراحة مطلقة وهو ما يلتزم به الاطباء في اخبار المريض ما هي حالته بالضبط دون اي زيادة او نقصان .
أبلغني الطبيب بضرورة الذهاب الى مركز علاج السرطان في هذه المدينة ، وفعلا غادرت العيادة وتوجهت الى وجهتي الجديدة التي سأزورها مرارا وتكرارا في الاشهر القادمة . وصلت الى مركز علاج السرطان وكان علي ان اقابل مدير المركز الطبيب الذي يشرف على كل شاردة وواردة في ذلك المكان ، اذكر ان زيارتي الاولى كانت في الاسبوع الاول من شهر حزيران من العام 2008 وطلب مني المدير ان اقوم بعدة تحاليل وصور شعاعية على مدى الاسبوعين المقبلين ،وغادرت المركز عند الساعة الخامسة والنصف عصرا بعد ان وصلت الى هناك عند العاشرة صباحا .
طبعا لا اكشف سرا اذا قلت ان حياتي انقلبت رأسا على عقب ، ولكن يشهد الله على كلامي ان ايماني بالله تعالى وقدرة الباري عز وجل بتغيير الامور كانت لي المساعد الاكبر في مواجهتي لخصم عنيد وجبار وهو مرض السرطان الذي ذكرت سابقا ان مجرد ذكر اسمه امام بعض الناس يصيبهم بالهلع والخوف الغير محتمل .
أصبحت زائر دائم لمركز علاج الامراض السرطانية على انواعها في المدينة ، واصبحت أحمل رقم ايضا ( يا لسعادتي ) فمرة اسمع اسمي كما هو ومرات استمع الى الرقم (080833 ) وهو رقمي الجديد الذي عليي من الان وصاعدا ان أحفظه او أقله ان اتعود على سماعه في كل مرة سأحضر الى هذا المكان تحديدا .
في منتصف شهر حزيران تقريبا تلقيت اتصال هاتفي من مركز علاج السرطان تبلغني فيه المتحدثة على الخط الاخر بضرورة الحضور الى هناك ومقابلة الطبيبة التي ستشرف على علاجي ومتابعته على كافة الصعد . ذهبت الى موعدي وابلغتني الممرضة على الاستقبال ان مواعيد رؤية الطبيبة تتأخر كثيرا في معظم الحالات وقالت عليك ان تضع في حسابك ان موعد رؤية الطبيبة يستغرق بين الاربع الى الست ساعات في المجمل ، اما جلسة العلاج الكيميائي فقد تمتد احيانا كثيرة من التاسعة صباحا وحتى الخامسة او السادسة مساء وذلك بحسب الظروف التي يراها فريق العمل الطبي .
وصلت الى موعدي اذن لرؤية الطبيبة ولم اتمكن من مشاهدتها الا بعد مرور ثلاث ساعات ونصف الساعة عن موعدي المقرر ، المهم دخلت الطبيبة وعرفتني على اسمها : ( الدكتورة كارولين هام ) ، وهي رئيسة قسم الابحاث في المركز ايضا ، وطبعا كل حالة لها عندها رؤية ومفهوم علمي خاص . المهم استمعت الطبيبة لي وطلبت مني ان اقص عليها حكايتي وحتى التفاصيل الصغيرة التي تبدو للبعض مملة وغير مهمة .
اذكر ان الطبيبة فوجئت عندما ابلغتها اني لا ادخن ولا اشرب مشروبات كحولية ، وهو سبب قوي ومباشر لنفس الحالة التي اصبت بها فالحمد لله على كل نعمه .
في الجزء الثالث سأحدثكم عن بداية العلاج الكيميائي وما رافقه من امور حدثت معي ، فألى اللقاء القريب .

علي ابراهيم طالب وندسور كندا
الاثنين 29 تشرين الاول 2012

لمراسلة الكاتب على هذا البريد الالكتروني : visionmag@hotmail.com

الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك : FACEBOOK : ALI IBRAHIM TALEB

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
6 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
جود
جود
11 years ago

ربنا دائما يديم ايمانك وقوة ارادتك وابتسامتك ويبعد عنك كل مكروه

Anonymous
Anonymous
11 years ago

اتمنا من الله سبحانه ان يمن عليك في شفاء العاجل ان الله على كل شئ قدير

يوسف زكريا
يوسف زكريا
11 years ago

إن شاء لله لا تحتاج إلى أي دواء ولا لأي علاج ، وإنني أطلب منه سبحانه وتعالى مع جميع محبيك أن يحفظك في تمام الصحة والعافية. فمن كان مثلك إنسانا وفيا ومحبا وصادقا ويتمتع بجميع المزايا الخلقية الحسنة لا يستحق إلا كل خير

Anonymous
Anonymous
11 years ago

الله يحميك ويطول عمرك انت انسان رائع حفظك الله ورعاك من كل مكروه

Anonymous
Anonymous
11 years ago

Salamet 2lbak llwahely 2olla haset 3m t7ki kosa bas 2amer jad adama allah sa7a wl3fia wllhamdollah

Anonymous
Anonymous
11 years ago

ألف الحمد لله على شفاؤك …حماك الله وأبعد عنك كل شر

6
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x