بقلم علي إبراهيم طالب

مجلة الحوادث – لندن

عدد 2018

7 تموز 1995

جلست أتأمل كل شيء من حولي. الطبيعة، الأشجار ، الناس، أرى عظمة الخالق عز وجل في كل إطارات الحياة العديدة.

عادت بي الذاكرة إلى بلدتي الحبيبة الغالية بنت جبيل التي تربض على كتف الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، تعاني الأسر والاحتلال الصهيوني البغيض الذي دنس الأرض الطاهرة بوجوده هناك منذ سنة 1978.

بدت لي تلك المشاهد عن الجنوب الحبيب بشكل عام وكأنه شريط سينمائي يتابعه طفل شغوف لا يعير أي اهتمام لما يحدث حوله إنما يضع كل تفكيره في هذا الشريط لمتابعة مجرياته ومحاولة عدم تفويت أي مشهد من هذا العرض الشيق والأنيس.

تذكرت كل شيء في وطني وبلدتي، البيوت الهادئة الجميلة، الناس الطيبين الكرماء، اللهجة المحلية المحببة، التعاضد والتضامن بين الناس سواء في الأفراج أو الأتراح.

تذكرت كل الأزقة التي كنا نتجول بها، نصول ونجول بين الكروم والأشجار، وبين الصخور والتراب هذا التراب الأحمر وكأنه بلون دم الشهادة القاني الغالي.

أعود إلى واقعي وألتفت إلى حالتنا الحاضرة في هذه الغربة فأجد أن حالات ألا مبالاة والتخبط في أمور سخيفة والهروب إلى الأمام، في هذا المجتمع الذي وبكل أسف شديد أقولها أننا نذوب في خضم هذ المجتمع المبني أساساً على المادة البحتة وليس غير المادة على الإطلاق.

ودور الاغتراب والمغتربين مهم جداً على كل الصعد ولعل أهمها على الإطلاق أن نتذكر شعبنا وأهلنا على الدوام سواء على صعيد الدعم المعنوي والمادي وإقامة الجسور مع الوطن والوقوف مع شعبنا وحقه المشروع في العيش الحر الرغيد أسوة بكل بني البشر في كل أنحاء العالم.

فما هو المانع أن نحوّل غربتنا القاحلة هذه إلى جهود مثمرة ، والحياة بشكل عام هي مد وجزر على جميع الأصعدة، فكم من المغتربين نجحوا في تجاراتهم وصناعاتهم وكتب لهم التوفيق في هذه الحياة وبالمقابل تجد أن البعض لم يحالفهم الحظ والظروف في تحقيق أحلامهم التي رسموها جميلة ، خلابة، قبل التفكير بالهجرة والاغتراب ولكن الرياح جرت بعكس ما تشتهيه السفن وهذا حال الدنيا. هل أعتبر ما يحل لنا في غربتنا على اعتبار أن لكل جواد كبوة ولكل قلم عثرة وأنه لابد لكل فارس من السقوط عن الجواد مهما كان ماهراً وفارسا.

إنها الحياة !!

آن الآوان لكي نخرج من أوهامنا ، وإن نقف ونتأمل من خلال أرواحنا ونفوسنا وأن نميز بين الجد والهزال والحق والباطل.

لنستبدل الدموع والآلام بالابتسامات والفرح. كفانا دموع وأحزان تذرفها عيوننا وتتألم لها قلوبنا.

دعوة لاستبدال الوحدة بالتعاضد والتكاتف عملاً بقول إن يد الله مع الجماعة، المال شيء مهم في هذه الحياة وقد لا نستطيع العيش دون مال الذي يبدو أنه أصبح عصب الحياة، ولكن ما هو تعريفنا للإنسان الغني وللإنسان الفقير؟

هل الإنسان الغني هو الذي يملك المال الوفير والحسابات الكثيرة في المصارف المتعددة؟

وماذا عن الشعور والإحساس والأخلاق وهل أصبح الأمر أن نحكم على أي شيء من خلال ماله لا أخلاقه وسلوكه في هذه الحياة؟

فلنخدم أهلنا وأوطاننا دون أي تزييف أو رياء. ويعجبني مثل عامي في لبنان يقول:

الشجرة التي تبخل حتى بظلالها على الأرض من الأفضل قطعها!

لنتأمل أيها الأحبة عظمة الباري عز وجل بالإضافة إلى هذا السر في عظمة الخالق وأينما التفتنا نجد عظمة ومقدرة الله تعالى.

يجب أن لا ندع غيوم الكراهية والحقد والتباعد تظلل على شمس الحقيقة والحب الساطع. لنشجع أي طاقة أو موهبة تخرج من صفوفنا في هذه الغربة وصدقوني ان أي نجاح لأي فرد منا هو نجاح للجميع، صدقوني إنها الحقيقة بعينها!

لنتعامل بمنطق الأخوة وهل يوجد أجمل من كلمة أخ وما تحمله هذه الكلمة من معاني سامية ومؤثرة.

لننظر إلى السماء نراها صافية مشعة بنور الحقيقة، لو ارى ذلك اليوم التي تنقشع فيه تلك الغيمة السوادء من أمام وجوهنا في سبيل مستقبل ناصع وحالم.

لنتوجه جميعاً في أعمالنا وتطلعاتنا إلى الباري عز وجل نسأله التوفيق والنجاح في كل أعمالنا. لا أدري عن أي وصف للغربة أتكلم؟ هل أردد مع رشيد نخله ما قاله “اللبناني كبعض أنواع الشجر، من ذلك الذي لا تطيب له الحياة إلا في تربته، فإذا هو نقل إلى غيرها، لوى عنقه من هم الفصال أو مات فوق جذعه”.

لن نقضي حياتنا في العذاب والهم والوقوف على الأطلال لننظر إلى الحياة بمنظور مختلف على اسس المحبة والتكاتف والخير.

وأنا أكتب هذه الكلمات تنطلق أغنية عبر المذياع بصوت سفيرتنا إلى النجوم أو سفيرة النجوم إلينا السيدة فيروز:

يا جبل البعيد خلفك حبايبنا

بتموج متل العيد وهمك متاعبنا

لنتمسك بالأمل لأنه ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x