فسحة أمل
بقلم علي إبراهيم طالب – وندسور
مجلة الحوادث – لندن
رسائل إلى المحرر
رقم العدد 1957
الجمعة 6 أيار 1994
عندما يحزم الإنسان العربي حقائبه ويسافر إلى أي دولة من البلاد الغربية، ربما تكون معلوماته عن البلد الذي يقصده معلومات محدودة وتتعلق بالعموميات وليس بأمور الحياة اليومية ومسيرتها في البلد المقصود.
في الحقيقة ومنذ الحظة الأولى التي تطأ قدماك أرض الغربة، فإنك تستطيع أن تدرك وبإحساس ظاهر بأنك موجود الآن في مجتمع جديد غريب عنك، وهنا يأتي دور الإنسان نفسه فتبدأ في هذه اللحظة بالذات معاناة الإنسان العربي، فهو مخير، فإما الانخراط والذوبان الكلي في هذا المجتمع الغربي الجديد أو المحافظة والتشبث قدر الإمكان بالقيم والعادات العربية السامية.
فالفرد هنا إنسان مسير وليس مخيراً، فهذا المجتمع الجديد يحول الإنسان إلى آلة تعمل وفق أوامر محددة ومن دون أي اعتراض على ذلك.
فهنا يسود المجتمع الإستهلاكي ذو الطبيعة الرأسمالية، إنها الحياة المادية التي يحتل المال المركز المرموق في نفوس الناس، في هذا الجو تضيع المشاعر والقيم الإنسانية وبأسف شديد وسط هذه المعمعة.
من البديهي في هذا الجو النفسي الضاغط يجد الإنسان العربي الذي هاجر إلى هذه البلاد، يجد نفسه وبأوقات كثيرة متتالية غريباً، هائماً عن بيئته الطبيعية التي تربى بها وفتح عينيه عليها، وتأتي مسألة مهمة هي طبيعة العمل وطبعاً اختلاف أنظمة وقوانين العمل عما نعهده في أوطاننا العربية، وإني أعتقد بأن مشكلة العمل هنا هي مشكلة المشاكل، ومن الطبيعي إذا لم يشعر المرء بالراحة في عمله ، لا يستطيع أن يعيش حياة طبيعية ، وبالتالي فسيكون انعكاساً سيئا ومؤثراً على نفسية وتفكير الفرد، وبالتالي ستنعكس على عائلته وما يرافق ذلك من أجواء عصبية ظاهرة تطال أفراد عائلة الفرد جميعاً.
تبقى قدرة الإنسان العربي وسط هذه الأجواء على ممارسة حياته مرهونة بالعلاقات التي تربط الناس ببعضها، فالعلاقات الاجتماعية تحولت هنا وبكل أسف شديد إلى علاقات نفعية. وأتحدث هنا عن أوضاع الجالية العربية بشكل عام وفي ظل هذا الوضع الذي نعيشه أصبحت قيمنا وتقاليدنا العربية شيئاً من الماضي، وانقطعت الصلات بيننا كعرب حتى صلة القربى عند البعض أصبحت لا تعني لهم شيئاً. وإني أشعر بأسى ومرارة عميقين لهذا الوضع الذي وصلنا إليه ولكن هذه هي الحقيقة، والحق يجب أن يقال مهما كانت الظروف والأسباب.
هل إذا كان المجتمع الغربي مشتتاً ولا قيمة للعائلة عندهم يفترض بنا أن نقلدهم بذلك؟
هل إذا شاهدت أخاً عربياً من أي قطر عربي كان، وألقيت عليه السلام أو هو بادلني السلام تكون نهاية العالم؟ لنعود جميعاً إلى أصالتنا وتاريخنا الغني، ربما نرى طيبة ومحبة الشعب العربي الموجود خارج أوطانه، فنلعالج الكره بالمحبة والعداوة بالتسامح، أليس ذلك أفضل من تفرقنا المؤلم المحزن؟!
على الخير والمحبة والسلام استودعكم الله ولقاؤنا معكم يتواصل من خلال هذا الموقع والى اللقاء القريب ان شاء الباري عز وجل تمجد اسمه الكريم .
13 أذار 2012