ما أصعب الموت في الغربة

بقلم علي إبراهيم طالب

مجلة الحوادث – لندن

عدد  1997

10 شباط 1995

كان حسين يتألق نشاطاً وحركة ، وكل من عرفه عن قرب عرف فيه كل الصفات والمزايا الحميدة. حسين وصل إلى كندا وهو يحلم أو ظن بأنه سيحلم بحياة جديدة وبمستقبل ما ينتظره في أرض الصقيع والثلوج هذه.

شعر حسين ذات مرة بألم عادي في جسمه فبادر للذهاب إلى الطبيب وبدأت المعاناة، إجراء فحوص عامة، وإخضاعة لصور الأشعة، وأحياناً كان يضطر للدخول إلى المستشفى مع ما يرافق ذلك من اضطراره لأخذ الأدوية والأمصا ل إضافة إلى الأبر.

بدأت منذ مدة غير طويلة نسبياً معاناة حسين مع المرض الخبيث الذي بدأ يفتك بالجسم الفتي دون ان يستطيع الأطباء أن يفعلوا شيئاً في مثل أحوال هذا المرض، والذي لم تقدر وحتى هذه اللحظة جهود العلماء والأطباء في كافة أنحاء العالم من إيجاد حل وشفاء لهذه المعضلة في عالم الطب، ألا وهو مرض السرطان.

قضى حسين الأسابيع الأخيرة في المستشفى وسط ترجيحات وتنبوءات الأطباء بأنه سيعيش، مرة يقولون عدة أيام ومرة يقولون أسابيع معدودة والشيء الوحيد الذي لم أقدر أن أفهمه في مجال الطب في هذه البلاد هو المصارحة الكاملة من الطبيب لأي مريض بأن يقول الطبيب للمريض ما هو مرضه بالضبط حتى أنه في جميع الأحوال يصارح الطبيب مريضه بأن يقول له بأنك ستعيش لعدة أسابيع أو أيام معدودة على سبيل المثال!

في بلادنا العربية يعمد الطبيب إلى إبلاغ أحد الأقارب أو أصدقاء المريض بحالته بالضبط دون ان  يبلغه شخصياً، ولا أدري أي الحالتين أفضل بالنسبة لنفسية أي مريض أن يبلغه طبيبه مباشرة عن وضعه الحالي أو أن يتبلغ النتيجة بواسطة أحد أقاربه أو معارفه؟ لا أدري بالضبط الإجابة عن هذا السؤال!

ظل حسين في المستشفى وظل أهله وأصدقاؤه متمسكين بحبل الله تعالى طالبين رحمة الباري عز وجل.

ومع الأيام الأولى من عام 1995 جاءنا النبأ الأليم. انتقل الشاب اليافع حسين إلى رحمة الله تعالى. كان النبأ مؤلماً في أوساط أبناء الجالية الذين عرفوا الفقيد شاباً مؤمناً مخلصاً لتعاليم الله تعالى، محباً صادقاً مع الجميع. توفي حسين عن ثلاثة وعشرون عاماً تاركاً الحرقة والألم في نفوس أهله وذويه وأصدقائه وخلف وراءه في هذه الدنيا زوجة وطفلتين الأولى عمرها سنتان ونصف والثانية سنة واحدة.

شعر الجميع هنا بالحزن والألم العميقين لهذا المصاب، ولكن ماذا عسانا فاعلين في قضاء الله وقدره، مشيئة الله حكمت بذلك ولا مخالفة لتلك المشيئة الحكيمة.

حري بنا نحن أبناء الجالية العربية ومن أي بلد عربي أتينا، أن نجتمع ونوحد صفوفنا في غربتنا القاسية هذه وأنا دائماً أحب أن نتذكر دائماً وفي كل لحظة مسألة مهمة جداً في حياتنا الأ وهي مسألة الموت.

فهل يوجد أصعب من أن يموت الإنسان غريباً عن وطنه وأهله وتراب الوطن الذي عاش فيه وتربى  ونما. لنتوقف جميعنا عند حالة الموت ولنكن جميعاً متوحدين متفقين وأن نكون جميعاً كالجسم الواحد والبنيان المرصوص حتى إذا ما تداعى أحد الأعضاء تداعى بقية الأعضاء لمساعدته ومد يد العون له ليعود سالماً معافى.

حسين صوفان من بلدة حانين العاملية في جنوب لبنان فقيد آخر خسرته الجالية اللبنانية والعربية في وندسور على مدى السنوات الأخيرة الماضية.

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x