وبالوالدين إحساناً

وبالوالدين إحساناً
بقلم : علي إبراهيم طالب
وندسور -كندا 
جريدة المستقبل – مونتريال
كندا
رقم العدد – 363
الأربعاء 23 – 12 – 1998
سبع سنوات وعدة اشهر مضت على وجودي في كندا ، وتحديدا في مدينة وندسور –  في مقاطعة أونتاريو    والتي يزيد عدد سكانها قليلا عن المئتي الف نسمة .
 خلال هذه الفترة الزمنية أصبح عندي نوع من الإلمام بالحياة الإجتماعية وبعض العادات والتقاليد في هذا المجتمع الكندي ، الذي هو خليط غريب  منوع من كل جنسيات العالم تقريباً .
لعل الشيء المميز والملاحظ في هذا المجتمع الكندي خاصة والغربي عامة ، هو ان الناس جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات وحرية الرأي والمعتقد ومزاولة الشعائر الدينية المختلفة ، وأن لاحظ المرء في بعض الأحيان وجود نوع من التمييز العنصري وإن كانت غير ظاهرة للعيان وإنما تتم في الخفاء والسر.
الشيء الوحيد الذي ألاحظه وأتعجب منه على الدوام ، هو غياب مفهوم العائلة من هذا المجتمع كما نفهمه نحن العرب الذين أتينا من مجتمع العائلة المكون  من الأب والأم والإخوة والأخوات بحيث يبقى شمل الأسرة مجتمعاً حتى الزواج   ، بالنسبة للأبناء أو إضطرار احد أفراد الأسرة للسفر الى مكان ما .
 نحن جئنا من مجتمعنا العربي حيث التماسك الإجتماعي يظل موجوداً نسبياً عند معظم المجتمعات العربية من أي قطر عربي كان ، فنظل نشعر بالاحترام الجزيل للوالد والوالدة والعلاقة الطيبة والتزاور مع  الاقارب   ، إبن العمة وإبن العم وإبن الخال والخالة وقريب العائلة ونسيبها وما الى ذلك .
أخبرني شاب كندي في العام 1992  وكنا نعمل سويا  في احدى شركات  قطع السيارات عن علاقته بوالديه منذ طفولته ، فقال لي أنه لا يعرف صورة وجه أبيه على الإطلاق ولا يدري اي سبب لذلك وكان كلما سأل امه عن هذا الأمر يأتيه جواب غير واضح فهو إما مات بحادث سيارة أو انه غير موجود على الإطلاق .
 كنت على الدوام أحدث هذا الشاب الكندي عن العادات والتقاليد العربية ولا سيما المتعلقة بالعائلة ومفهومها عندنا ، وكنت ألاحظ شدة تعجبه من وجود هكذا مجتمعات  وكان يسألني أسئلة كثيرة وأجيبه بكل أمانة عن اي أمر ، كنا نعمل سويا في شركة لصناعة قطع السيارات في وندسور ونستغل فترات الإستراحة القليلة في التحدث بأمور عامة ، كان هذا الشاب وإسمه « مارك » دائم الشرود وكره فجأة المنزل الذي عاش فيه مع امه عندما كان صغيراً ، ولما بلغ الثامنة عشرة من العمر انتقل من منزل امه ليشق طريقه في الحياة لأن القانون الكندي والغربي  عامة يسمح لأي شاب أو فتاة متى بلغ اي منهما هذه السن ان يستقل ويعيش منفرداً والدخول الى البارات وشرب الكحول لأن القانون يجيز ذلك .
وهذا برأيي سبب كبير لما يعانيه المجتمع الغربي عامة من حالات التفكك الأسري وانتشار حالات الجريمة والمخدرات والإجهاض وأمور كثيرة كثيرة تحتاج الى صفحات طويلة لشرحها .
 سألني مرة مارك هل تعلم كم مضى على عدم زيارتي لوالدتي  المسنة في دار العجزة ؟ وقبل ان أجيبه قال : مضى عليّ اكثر من ثلاث سنوات ، وهو فقط يبعد عنها حوالي عشر دقائق إذا أراد ان يمشي ويزورها ..
كان مارك يزور والدته قبل ٣ سنوات بمناسبة عيد الأم أو في عيد الميلاد المجيد .
 ومضت الأيام وتركت العمل في هذه الشركة التي كان أصحابها من الناس الجشعين في هذه الحياة لا يقيمون وزنا للإنسان ولا يعترفون بقانون بل ان قانونهم الخاص هو شريعة الغاب على الدوام .
منذ فترة زمنية قصيرة شاهدت احد الاشخاص  العرب الذي كان يعمل معنا في تلك الشركة ، وأخبرني خيرا هزّ كياني يتعلق بمارك ومفاده ان مارك أحرق نفسه في منزله ، وترك رسالة لأحد أصدقائه يقول فيها انه أقدم علي الانتحار لأن المجتمع كله سيء وغير عادل ( على حد قوله ) ، في الحقيقة تألمت  لما جرى لهذا الشاب وبهذه الطريقة ا لمؤسفة والمحزنة في آن ، وكأني بمارك كان ضحية لهذا المجتمع الذي يدّعي التحضرّ والحرية دائماً وكان خير موت مارك أشد ايلاما على والدته المسنة التي تقبع في دار المسنين منذ سنوات ، حين أ خبرها المسؤولين عن الدار بخبر وفاة ابنها مارك ، ومنذ تلك اللحظة الحزينة في وهي صامتة لا تكلم أحداً ، فقط الشيء الوحيد الذي كانت تفعله هو النظر في صورة مارك التي كانت تحملها دائماً بين يديها .
 رحم الله مارك وأحسن اليه ، لم يكن له اي ذنب فيها حصل فهو فتح عينيه على هذا المجتمع ، واكتسب عاداته وعاش مثلما يعيش معظم الكنديين والغربيين حياة العيش كل يوم بيومه في مجتمع أبعد ما يكون عن حياة العائلة المتماسكة .
إن المفهوم الغربي إزاء الوالدين هو مختلف جداً عما نعهده في بلادنا العربية نحن نعتبر ان الوالدين رمز مقدس وهو الأهم في هذه الدنيا على الإطلاق   .
يا رضى الله ورضى الوالدين دائما وأبدا على مر السنين .
                                             على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                              علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
                                   الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                    FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                   الاربعاء  15    أيار      2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x