ورقة بيضاء

لم يستطع تفسير ماذا يحصل معه في ذلك الصباح الباكر من صباحات شهر نيسان، المفترض انه شهر الربيع والحيوية والاخضرار الدائم في كل مكان من هذا العالم.

نظر إلى الورقة البيضاء أمامه لا تزال ناصعة بيضاء. هو داخل احد المقاهي القى  بنظرة عابرة عبر الشباك الزجاجي إلى الخارج، السماء زرقاء مائلة إلى اللون الرمادي ربما من كثرة التلوث الحاصل في أجواء هذه المدينة الغريبة التي يعيش فيها منذ أكثر من عقدين من الزمن، الأشجار اكتست لونها الأخضر، لم يشعر بتساقط الثلوج الكثيفة مثلما كان يحصل في سنواته الأولى في بلاد الثلوج والصقيع هذه، كانت العواصف الثلجية الكبيرة تأتي بشكل متلاحق فما إن يزال آثار العاصفة الأولى  ، حتى تأتي عاصفة ثانية والنتيجة المزيد من الثلوج المتراكمة على أسطح المنازل و جوانب الطرق إضافة إلى البرد والصقيع الذي يستمر لعدة أشهر متلاحقة في هذه البلاد.

كانت الساعة مُبّكرة بعض الشيء ولكن حركة السير توحي بيوم جديد آخر في حياة الناس هنا، باصات المدارس بألوانها الصفراء كانت تجوب الشوارع وهي تحمل الأطفال إلى مدارسهم في كل أرجاء المدينة وضواحيها ، الأطفال  هم أنفسهم  في كل مكان  من هذه الحياة   ، نفس البراءة والحركات الطفولية العفوية مع فارق أن الأطفال تعيش هنا حياة الرفاهية والسعادة بينما في أماكن عديدة أخرى من العالم يعاني الملايين من الأطفال حالات المرض والفقر المّدقع الشديد، ومن هنا يلاحظ المرء العادي الفوارق المادية والطبقية بين الناس وخصوصاً بين الشرق والغرب عامة.

لا تزال الورقة البيضاء أمامه ناصعة البياض كانت الأفكار الغريبة تصول وتجول في عقله وخاطره ذلك الصباح النيساني  الباكر  والبارد في ان معا  .

فجأة وبدون أي مقدمات ومثلما يفعل عندما تقسو عليه الغربة بالآمها والثمن الباهظ لها، شعر بأنه انتقل إلى الأرض الحبيبة الطاهرة التي أحبها ولم يزل وحتى آخر يوم له في هذه الحياة، أصبح هناك في بلدته الغالية بنت جبيل في الجنوب اللبناني المقاوم والمحاذية تماماً للحدود مع فلسطين المحتلة.

بنت جبيل تلك التي أبصر فيها النور و حُرم منها مثله مثل أغلبية أبنائها نتيجة الاحتلال البغيض لها الذي استمر حتى عشية الخامس والعشرين من شهر آبار من العام 2000، عندما حصل التحرير المهيب بسواعد رجال الله من الشرفاء الذين دفعوا دمائهم وأغلى ما عندهم من سبيل وعزة وكرامة الأرض الطاهرة الحبيبة  .

للحظات قليلة شعر انه ألان هناك يقف أمام ضرائح الشهداء والأحبة الذين غابوا عن هذه الحياة بأجسادهم ولكن أرواحهم باقية وخالدة خلود الحياة والأزل.

شعور غريب وعجيب انتابه ذلك الصباح بالحنين والرغبة بالعودة إلى تلك الأرض التي تعني له كل شيء، الحياة والعزة والكرامة وهو شعور وإحساس لا تستطيع كل مغريات وماديات هذه الحياة أن تُغير له هذه القناعات الإنسانية الأبدية والخالدة.

على الرغم من أن ضجيج المقهى كان عالياً و ملفتاً والحوارات الجانبية من حوله إلا انه كان في مكان آخر وبعيد عن هذا المكان بعشرات الآلاف من الكيلو مترات من مسافة الزمن.

ظّلت الورقة أمامه بيضاء ناصعة حملها وغادر المكان ليضاف يوم آخر إلى عمر غربته المريرة والقاسية.

 

علي ابراهيم طالب

وندسور 

كندا

الاربعاء 4 نيسان

2012

 

 

 

 

على الخير والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                               علي   ابراهيم   طالب
                             وندسور    كندا
                           للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني : visionmag64 @Gmail.com
                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                            FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                              السبت   4   أيار      2013

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x