بقلم علي إبراهيم طالب

مجلة الحوادث – لندن

الجمعة 9 أيلول 1994

العدد رقم 1975

 قال لي بلغة ملؤها الثقة بالنفس: يا صديقي حتى تعيش حياة هانئة وتحصل على عمل جيد في كندا يجب عليك أن تخطو الخطوة الأولى، سألته أن يتفضل مشكوراً ويقول لي عن الخطوة الأولى هذه؟

قال لي يا صيدقي: أول خطوة في هذه البلاد هي أن تغيّر إسمك!! للوهلة الأولى لم أستوعب ما قاله هذا الصديق، ولكنه أصر على رأيه هذا، نعم اسمك يا صاحبي يجب أن تستبدله بإسم كندي حتى تسير الأمور على ما يرام. يا أخي هل هي المشكلة في الاسم العربي بشكل عام؟ مع الأسف الشديد لهذه الظاهرة المتفشية بين أوساط الجالية العربية هنا فتجد بأن اسم علي مثلاً تحول إلى ألكس ومحمد أو أحمد إلى مايك، جميل إلى جيمي، سهيل إلى سام  وعشرات الأسماء لا يتسع المجال إلى ذكرها الآن، لأن معظم أو النسبة الكبيرة من أبناء الجالية تعمد إلى تغيير الاسم أو ذكر أول ثلاثة أحرف من الاسم الأصلي وتحويله إلى اسم كندي أو أجنبي. إذا سلمنا جدلاً بصوابية هذا الأمر فهل فقط يبقى الاسم هو المشلكة؟

يا أخي هل أستطيع تغيير لون شعري وبشرتي ولون عيني؟ في غربتنا القاحلة هذه، يصيبني الألم وأنا أرى سيول المهاجرين العرب وهي تتدفع إلى هذه البلاد.

من يوقف هذه السيول؟

أستحلفكم بالله أن يجيب أحد على سؤالي هذا؟

ماذا نحصد هنا، فهنا الوحدة القاتلة المملة، والقلق الدائم على مصير الأطفال الذين يولدون هنا ولا يعرفون شيئاً عن تاريخ بلادهم وثقافتهم العربية والأصعب من ذلك كله أنهم لا يتحدثون بلغتهم الأم اللغة العربية.

الناس هنا تدفع الضرائب.

ضريبة البيع والشراء المتعارف عليها في هذه البلاد وتعرف بالتكس وضريبة أخرى وهي الأصعب والأقوى وهي ضريبة فقدان التواصل العائلي، وفقدان الترابط الأسري في مجتمع يسوده حب المادة ويتربع الدولار في قلوب الناس ويُنظر إليه على أنه سيد الموقف تخر له الناس ساجدة.

في خضم هذه المعمة التي نيعشها لا أحب أن أعطي صورة سوداء عن الجاليات العربية المنتشرة أينما ذهب وأنى حللت. في هذا المجال لابد من وجود من تسميهم الأديبة العربية غادة السمان وتطلق عليهم صفة (حزب أولاد الحلال) أوقل نعم يا أديبتنا المحترمة هم موجودون أينما كان ولكنهم مع الأسف الشديد قلائل جداً في مجتمعاتنا الاغترابية، إني أتحدث عن كندا بشكل عام والمدينة الكندية وندزور والتي أعيش فيها منذ أكثر من ثلاث سنوات وعدة أشهر.

في صورة موازية يوجد بين المجتمعات كذلك ما يحلو لحضرة رئيس جمعية المقاصد الإسلامية الأستاذ تمام سلام من إطلاق صفة حلوة عليهم وهم (حزب الأوادم)

فهؤلاء الأوادم موجودين في كل مجتمع وأعمالهم تشهد على وجودهم أكثر الله من هؤلاء الأوادم وأولاد الحلال بيننا سواء كنا في الوطن أو في الاغتراب.

بعض الناس، مع الأسف الشديد لقول هذا الكلام، تعيش على هامش الحياة ومنهم من يعتزل الناس عامة ويعيش لوحده لا يريد أن يتحدث مع أحد من العرب، لا يشارك أفراح أو أتراح الجالية وربما يجن جنونة إذا حصل أي شخص على رقم هاتفه من أحد ما ، لأنه يدفع إلى شركة التلفونات كل سنة مبلغاً معيناً ليبقى رقم هاتفه سرياً لكي لا يحصل عليه أحد. ما ينقصنا الكثير من المحبة والتعاضد في غربتنا هذه لنكون كذلك العضو الكامل الموحد ، كالقلب الواحد ترفده الشرايين جميعها بالدم لكي تستمر الحياة، ونكون جديرين بوجودنا على جميع المستويات في مجتمع جديد تلسعنا فيه نيران الغربة.

0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x