الجنرال الأبيض

بقلم علي إبراهيم طالب
وندسور    كندا
المكان : مدينة غربية غّطتها الثلوج الكثيفة .
الزمان : السادس من شهر كانون الأول للعام 2008 ، الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء .
شعر في قرارة نفسه أنه يريد الخروج من المنزل من أجل تغيير الجو ولو لبعض الوقت ، أدار مُحّرك سيارته وانطلق يجوب الشوارع التي ملأتها زينة أعياد الميلاد ورأس السنة القادمة بعد ثلاث أسابيع من الآن .
صوت المذيعة ينطلق من مذياع السيارة ويُعلن أن درجة الحرارة لهذا الليلة هي ستة درجات تحت الصفر وهي مُرشحه للإنخفاض أكثر عند ساعات الفجر الاولى لتصل الى عشر درجات تحت الصفر ، اذن انها ليلة باردة بكل ما لهذه الكلمة من معاني  .
 كان مضى على قيادته السيارة حوالي الربع ساعة عندما شعر ان جهاز التدفئة في سيارته بدأ بالعمل كالمعتاد بعد ان أزال طبقة كثيفة من الثلج المتجمد على كل زجاج سيارته ومن كل النواحي ، تّذكر فجأة أن أبنته طلبت منه شراء غرض ما تحتاجه للمدرسة في الايام القليلة القادمة ، حسناً فلنذهب الى المركز التجاري الرئيسي في المدينة أو ( المول ) بلغة أهل هذه البلاد .
 وصل الى الموقف الخارجي للمركز وحاول جاهداً إيجاد موقف لسيارته دون جدوى وكان يدور ويدور في الموقف دون اي  نتيجة  تذكر  ،  حتى لمح أخيراً وعبر المرآة الخلفية ان احدى السيارات ستغادر الموقف فأتجه الى مكانها وركن سيارته في المكان المحّدد .
كان عليه أن يمشي مسافة طويلة تفصل بين موقف السيارات ذلك وأول مدخل لذلك المركز التجاري الضخم والذي يّعج مثل عادته كل موسم أعياد وخصوصاً عيدي الميلاد ورأس السنة بالآلاف من المشترين من كل الأعمار والأجناس والمستويات .
غّطى رأسه الأصلع بالقبعة الصوفية السميكة والتي للإشارة فقط فإنه  يلبسها للمرة الاولى في موسم الصقيع والعواصف هذا على الرغم من وجوده في هذه البلاد لما يربوا على العقدين من السنين منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي وحتى هذه الايام الأخيرة من عمر هذه السنة 2008 التي تستعد للرحيل دون عودة وان كان شخصياً لا يأسف عليها وهي التي أذاقته مرارات الألم والمرض فلا أسفاً عليها .
دخل الى المركز أخيراً وشعر فور دخوله من الباب الرئيسي بالفرق بين البرد القارس والصقيع في الخارج والدفء نوعاً ما داخل المركز الذي بدا وكأنه يوم الحشر ،  فالمئات  من الناس كانت تزرع الممرات الداخلية للمركز بخطوات جيئة وذهاباً مع ملاحظة اصطدام الأكياس البلاستيكية والكرتونية ببعضها البعض في مشهد طريف يدعو الى الإستغراب لهذه الحالة من هوس الشراء وخصوصاً في مواسم الأعياد حيث الشراء عادة ما يكون عبر البطاقات البنكية الإتمانية فالكل الآن سعيد ولكن الصراخ والعويل يبدأ في شهري كانون الثاني وشباط حيث تبدأ الملايين من الفواتير بزيارة صناديق البريد للغربيين في هذه البلاد وهناك تكمن الطامة الكبرى !
توجه إلى المحل الذي يريده وإشترى لأبنته ما تريد ووقع هو نفسه في الفخ فاشترى بعض الحاجيات والأمور التي بدا أنه ليس بحاجة ماسة لها !!
عاد الى منزله ليشعر بنوع من الدفء والحنان في عيون أطفاله الذين هبوا لاستقباله كعادتهم في كل مّرة وهاهو يُسّجل يوم آخر في عمر غربته القاسية الممتدة منذ عقدين وحتى هذه الليلة الباردة والقارسة في آن  معا !!
                                               على الخير  والمحبة والمودة الدائمة   والسلام استودعكم  الله   ولقاؤنا  معكم  يتواصل  من خلال هذا الموقع    والى اللقاء القريب  ان شاء  الله تعالى  .

                                                 علي   ابراهيم   طالب
                                                وندسور    كندا
                                            للتواصل مع الكاتب عبر البريد الالكتروني
                                           : visionmag64 @Gmail.com
                                           الصفحة الشخصية على موقع الفيس بوك
                                          FACEBOOK PAGE :    ALI  IBRAHIM  TALEB
                                              الاربعاء   30                   تشرين الاول                 2013
0 0 votes
Article Rating
Spread the love
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x